الفرق الخمسة المحرومة من الشفاعة من منظار القرآن

19:07 - 2016/11/26

الهدف الغايي من خلق الإنسان، تنعمه بالنعم الأخروية. نظرا إلى قصور أعمال الإنسان، أمله الوحيد في القيامة، أن تشمله رحمة الله وشفاعة الشافعين. ولكن هناك عوامل، السير وِفقاً لها، يحرم الإنسان من الشفاعة.

الشفاعة، شفاعة

ضرورة الشفاعة في الشريعة
من الضروريات المسلمة في دين الإسلام، مسألة الشفاعة. العلامة المجلسي بعد عَدّه مسألة الشفاعة أنها من الضروريات بين المسلمين، يقول بالشفاعة لغير المسلمين أيضا. [1]
يجب لفت النظر أيضا أن الشفاعة ليست مسألة نظرية فحسب، بل للإعتقاد بها دور في حياة الإنسان. في هذا البين ، يحرم البعض هذه النعمة من أجل أعمالهم.

المحرومون من الشفاعة في القرآن
في سورة المدثر في آيات 38-48، كلام عن المعذبين بنار جهنم. وفي نهاية الكلام عنهم، يقول الله تبارك وتعالى أنهم محرومون من الشفاعة:
فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِینَ [2]
لأن الشفاعة نتيجة علاقة وثيقة بين الشفيع والمشفوع له. والحال أن هؤلاء لايملكون هكذا علاقة وإرتباط؛ وفي النتيجة فإنهم محرومون من شفاعة الشافعين.

الأسباب التي تسبب حرمان الإنسان من الشفاعة
1. عدم التقيد بالصلاة
إن أول جرم يعترف به أهل جهنم في هذه الآيات، عدم إهتمامهم بالصلاة:
قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين [3]
الصلاة من أهم أركان الإسلام. التعلل في الصلاة إضافة إلى أنه يحرم الإنسان من الكثير من الجلوات الرحمانية الربانية، يسُد آخر طريق للنجاة في الآخرة بوجه الإنسان. الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:
إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّا بالصلاة [4]

2. عدم إطعام المساكين وإلجاءهم
في الآيات التالية من سورة المدثر، الفرقة الثانية التي لاتنالها الشفاعة، الذين لم يكترثوا بحال المساكين والفقراء:
وَ لَمْ نَکُ نُطْعِمُ الْمِسْکِین [5]
المساكين هم الذين جاء تفسيرهم في كلام الإمام الصادق (عليه السلام):
الْفَقِیرُ الَّذِی لایَسْأَلُ وَ الْمِسْکِینُ الَّذِی هُوَ أَجْهَدُ مِنْهُ الَّذِی یَسْأَلُ [6]
من الممكن أن يكون في أطراف الإنسان بعض المحتاجين. فالإنسان لو علم بوجودهم لوجب عليه مساعدتهم. بعض الأحيان من أجل كرامة الإنسان الفقير وعزة نفسه، لايطلع على فقره أحد؛ فلاحرج على أحد عندها؛ ولكن أحيانا تكون الظروف صعبة على الإنسان الفقير بحيث يُفشي حاجته معها؛ هؤلاء هم المساكين. إن الله تبارك وتعالى يؤاخذ الإنسان في القيامة من أجل عدم مساعدته الفقراء الذين يعرفهم. ولكن بالنسبة إلى المساكين، إضافة إلى المؤاخذة، يحرم الإنسان الشفاعة أيضا.
إن أهمية تفقد المساكين كبيرة جدا؛ فإنه إضافة إلى وجوب بذل المؤمنين أموالهم للمساكين، يجب عليهم أن يحثوا سائر الناس على مساعدة المساكين أيضا:
وَ لا يَحُضُّ عَلى‏ طَعامِ الْمِسْكِينِ" [7]
الحض؛‏ التحريض و الترغيب‏ [8]

3. الغرق في لهو الدنيا و لعبها
ثم يقول الله تبارك وتعالى من لسان أهل جهنم في الآيات التي يدور الكلام حولها:
وَ کُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِینَ [9]
نخوض؛ من مادة خوض، على وزن حوض، و تعني في الأصل الغور و الحركة في الماء، و يطلق على الدخول و التلوث بالأمور، و القرآن غالبا ما يستعمل هذه اللفظة في الإشتغال بالباطل و الغور فيه. [10]
القرآن الكريم يقول عن الغرق في الدنيا بسبب تحريك الشهوات والمشتهيات والأميال والغرائز الشيطانية:
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ‏ [11]
الإسلام لايخالف التمتع بالدنيا؛ ولكن لو أن الدنيا أغرت الإنسان وأبعدته عن هدف خلقته، فهذه الدنيا تُعد مذمومة. النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في الفرق بين هذه الدنيا والآخرة:
الدُّنْيا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ ما فيها إلّاما كانَ لِلّهِ مِنْها [12]

4. عدم الإعتقاد بالقيامة
من الأسباب المُبعدة عن الشفاعة، عدم الإعتقاد بالمعاد وتكذيبه باللسان أو بالعمل:
وَ كُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ‏ [13]
في المقابل؛ الإعتقاد بالقيامة، يجعل الإنسان ملتزما بواجباته. مثلا؛ إن الله تبارك وتعالى يقول في وصف أهل الصلاة:
وَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [14]
فمن آثار الإعتقاد بالمعاد، التقيد بالواجبات.

5. رضا الله عن المشفوع لهم
وفي النهاية، آخر أسباب إبتعاد الشخص عن الشفاعة، الإبتعاد عن رضا الله تبارك وتعالى؛ لأن الله يقول في سورة الأنبياء:
یَعْلَمُ ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا یَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضی وَ هُمْ مِنْ خَشْیَتِهِ مُشْفِقُون [15]
الله الذي له المُلك والملكوت، عندما لايرضى شفاعة أحد الشفعاء، فمن المستحيل أن يقع حب المشفوع له في قلب الشفيع فتشمله رحمة الله تبارك وتعالى.
فلأجل هذا يقول الإمام الصادق (عليه السلام):
اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ يُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ شَيْئاً- لَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَ لَا مَنْ دُونَ ذَلِكَ فَمَنْ سَرَّهُ أَنْ تَنْفَعَهُ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ عِنْدَ اللَّهِ فَلْيَطْلُبْ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَرْضَى عَنْهُ‏ وَ اعْلَمُوا أَنَّ أَحَداً مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَمْ يُصِبْ رِضَى اللَّهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ وَ طَاعَةِ رَسُولِهِ وَ طَاعَةِ وُلَاةِ أَمْرِهِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) [16]

يجب الإنتباه أن الأصل الأولي هو أن الشخص، بأعماله الصالحة، يتسبب في إبتعاده عن جهنم؛ ولكن مع قصوره في إتيانه بالواجبات وتركه المحرمات، الأمل بالرحمة الإلهية وبشفاعة الشافعين، الطريق المتبقي لنجاة المؤمنين. نأمل أن لانَحرُمه ببعض أعمالنا السوء.

المصادر
[1] المجلسي، بحارالأنوار، ج 8 ، ص 29 - 63
[2] المدثر، 48
[3] المدثر،43
[4] الشیخ عباس القمي، سفینة البحار، جلد، 2، ص 19
[5] المدثر، 44
[6] الحر العاملی، وسائل الشیعه، جلد 6، صفحه 144
[7] الحاقه، 34
[8] الطباطبائي، تفسير الميزان، ج‏19، ص401
[9] المدثر، 45
[10] مكارم الشيرازي، الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج‏19، ص 186   
[11] البقرة، 86
[12] الفیض الکاشاني، المحجة البيضاء في تهذیب الأحیاء، ج 5، كتاب ذم الدنيا، ص 353
[13] المدثر، 46
[14] المعارج، 27
[15] الأنبیاء، 28
[16] المجلسي، بحار الأنوار، ج‏75، ص 220

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
2 + 8 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.