هل إستشهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) 2

10:46 - 2016/12/07

إن أكثر المسلمين يعتقدون أن النبي (صلى الله عليه وآله) توفي مسموما شهيدا؛ والبعض الآخر يرى أنه إرتحل عن الدنيا بصورة طبيعية ولم يتسبب أي شيء في وفاته. أما الفرقة الأولى فقد تقسمت إلى فِرَق؛ فبعضهم يرون شهادته (صلى الله عليه وآله) بالسمّ بيد اليهودية؛ وبعض يرون شهادته (صلى الله عليه وآله) بمسمومية أخرى.

شهادة النبي، وفاة النبي، الرسول

النبي المكرم (صلى الله عليه وآله) إرتحل عن الدنيا في سنة 11 من الهجرة وكان عمره الشريف آنذاك 63 سنة. وقد جرى الخلاف بين المؤرخين في كيفية وفاته (صلى الله عليه وآله)، فالبعض يرى أن وفاته كانت بسبب المسمومية التي حصلت له على أيدي اليهودية بعد فتح خيبر ولذلك يرون أن النبي (صلى الله عليه وآله) إرتحل عن الدنيا شهيدا؛ فريق آخر أيضا يرون المسمومية يبد اليهودية حقيقة، ولكن لم يتوف الرسول (صلى الله عليه وآله) بأثر هذه المسمومية، بل إرتحل عن الدنيا بسبب المرض؛ وفريق آخر أيضا لم يقبلوا قصة السمّ في الفخذ بعد خيبر أساسا وأنكروا ذلك.
هذان الفريقان، أتيا بأدلة متعددة لنفي شهادة النبي (صلى الله عليه وآله) بسبب المسمومية الحاصلة بيد اليهودية. نحن نريد في هذه المقالة الإشارة إلى أدلة هؤلاء. أشرنا في المقالة السابقة إلى أربعة أدلة، ونذكر هاهنا أربعة أدلة أيضا.

5. طبقا لبعض النقول التأريخية، ليس هناك إشارة للمسمومية بعنوانها دليل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)
ولو أن الكثير من المصادر التأريخية تذكر وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) بسبب المسمومية التي حصلت له قبل أربع سنين في فتح خيبر، إلا أن في مقابل هذه الروايات التأريخية، توجد أخبار أخرى تعارضها؛ حيث ترى وفاته (صلى الله عليه وآله) بسبب المرض.
في بعض هذه الأخبار، كانت علة النبي (صلى الله عليه وآله)، ذات الجنب:
حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا بشر بن موسى الأسدي ثنا أبو زكريا يحيى بن إسحاق ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : مات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من ذات الجنب. [1]
أو في البعض الأخبار كانت علة النبي (صلى الله عليه وآله)، الصداع والحمى الشديدة:
أول مرضه كان صداع الرأس والظاهر أنه كان مع حمى فإن الحمى اشتدت به في مرضه فكان يجلس في مخضب ويصب عليه الماء من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن يتبرد بذلك وكان عليه قطيفة فكانت حرارة الحمى تصيب من وضع يده عليه من فوقها. [2]
وفي نقل آخر:
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ يُوعَكُ فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا. فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ» . قَالَ: فَقُلْتُ: ذَلِكَ لِأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ فَقَالَ: «أَجَلْ» [3]
مع هذا، فالقليل من المسلمين إعترفوا بهذه الروايات أن النبي (صلى الله عليه وآله) إرتحل بسبب عامل طبيعي كالحمى أو ذات الجنب ولم يكن شهيدا. [4]

6. لم يأكل النبي (صلى الله عليه وآله) تلك الأكلة المسمومة أساسا
الذين لم يقبلوا مسمومية النبي (صلى الله عليه وآله) على أيدي تلك اليهودية، يستدلون بأن النبي (صلى الله عليه وآله) إطّلع على السم قبل أن يتناول من ذلك الطعام المسموم، وهذا كان أيضا علامة على نبوته وإطلاعه على الغيب.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبدالله الحافظ، أنبأنا أبو العباس الاصم، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة، أن امرأة من يهود أهدت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) شاة مسمومة فقال لأصحابه: " أمسكوا فإنها مسمومة " وقال لها: " ما حملك على ما صنعت ؟ " قالت: أردت أن أعلم إن كنت نبيا فسيطلعك الله عليه، وإن كنت كاذبا أريح الناس منك.
قال: فما عرض لها رسول الله (صلى الله عليه وسلم). [5]
البخاري و الدارمي أيضا ينقلان عن أبي هريرة أنه قال:
لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِلنَّبِىِّ (صلى الله عليه وسلم) شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ فَقَالَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) « اجْمَعُوا إِلَىَّ مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ يَهُودَ » . فَجُمِعُوا لَهُ فَقَالَ « إِنِّى سَائِلُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْهُ » . فَقَالُوا نَعَمْ . قَالَ لَهُمُ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) « مَنْ أَبُوكُمْ » . قَالُوا فُلاَنٌ . فَقَالَ « كَذَبْتُمْ ، بَلْ أَبُوكُمْ فُلاَنٌ » . قَالُوا صَدَقْتَ . قَالَ « فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُ عَنْهُ » فَقَالُوا نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، وَإِنْ كَذَبْنَا عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِى أَبِينَا . فَقَالَ لَهُمْ « مَنْ أَهْلُ النَّارِ » . قَالُوا نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَا فِيهَا . فَقَالَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) « اخْسَئُوا فِيهَا ، وَاللَّهِ لاَ نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا - ثُمَّ قَالَ - هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ » . فَقَالُوا نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ . قَالَ « هَلْ جَعَلْتُمْ فِى هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا » . قَالُوا نَعَمْ . قَالَ « مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ » . قَالُوا أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا نَسْتَرِيحُ ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ. [6]
ينقل الحاكم أيضا عن أبي سعيد الخدري أنه قال:
أن يهودية أهدت شاة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سميطا فلما بسط القوم أيديهم قال لهم النبي (صلى الله عليه وسلم) كفوا أيديكم فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة قال : فأرسل إلى صاحبتها فقال : أسممت طعامك هذا قالت : نعم أحببت إن كنت كاذبا أن أريح الناس منك و إن كنت صادقا علمت أن الله سيطلعك عليه فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): اذكروا اسم الله و كلوا فأكلنا فلم يضر أحدا منا شيئا. [7]
المستفاد من هذه الروايات الثلاثة وماشابهها، أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إطّلع على السم في الأكل فلم يأكل منه شيئا لكي يتسمم منه.

7. لوكان قد أكل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك الطعام المسموم، لكان ذلك طعنا في نبوته
لوقبلنا الروايات التي تؤكد على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أكل من ذلك الطعام المسموم، لكان ذلك طعنا في نبوته وتكذيبا لرسالته؛ لأن تلك اليهودية قالت: «أردت أن أعلم إن كنت نبيا فسيطلعك الله عليه، وإن كنت كاذبا أريح الناس منك». ولو كان هذا الأمر صحيحا بأن الله لم يُنبئ رسوله بالسم الذي في الطعام، وتناول الرسول من ذلك الطعام، لكان هذا حجة على نبوته (صلى الله عليه وآله وسلم).

8. تصريح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن اليهودية لن تتمكن من قتله
في بعض الروايات، أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما سأل اليهودية عن الداعي لما فعلت، قالت في جوابه: «أردت قتلك»؛ فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ردا عليها: «ما کان الله لیسلطک علی ذاک». [8]

إذا فبعض المسلمين، مع أنهم يقبلون إقدام تلك اليهودية في سمّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلا أنهم طبقا لهذه الأدلة لايقبلون مسموميته (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا السمّ الذي دبّرته اليهودية.

المصادر
[1] المكتبة الشاملة، الحاكم النيشابوري، المستدرك على الصحيحين، ج4، ص449 – المكتبة الشاملة، مسند أبي يعلى، ج8، ص258 – المكتبة الشاملة، محمد بن يوسف الصالحي الشامي، سبل الهدى و الرشاد في سيرة خير العباد، ج12، ص227
[2] المكتبة الشاملة، إبن رجب، لطائف المعارف، ص106
[3] المكتبة الشاملة، علي بن سلطان محمد القاري، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ج3، ص1129 – المكتبة الشاملة، سنن الدارمي، ج2، ص408 – المكتبة الشاملة، صحيح مسلم، ج4، ص1991 – المكتبة الشاملة، مسند أحمد، ج1، ص455
[4] إبن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج10، ص266 مع أنه (صلى الله عليه وآله) كان يؤكد أنه لايصاب ببعض هذه الأمراض. إبن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج13، ص31 – الكليني،الكافي، ج8، ص193
[5] المكتبة الشاملة، إبن كثير، السيرة النبوية، ج3، ص396 – المكتبة الشاملة، الخطيب البغدادي، تأريخ بغداد، ج3، ص331
[6] المكتبة الشاملة، سنن الدارمي، ج1، ص47 – المكتبة الشاملة، صحيح البخاري، ج11، ص291 – المكتبة الشاملة، بدر الدين العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ج15، ص91
[7] المكتبة الشاملة، الحاكم النيشابوري، المستدرك على الصحيحين، ج4، ص122
[8] المكتبة الشاملة، البيهقي، سنن البيهقي الكبرى، ج8، ص46

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
7 + 5 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.