دراسة حول الجنة التي سكنها آدم و زوجته

11:31 - 2016/12/08

إن الجنّة التي مكث فيها آدم قبل هبوطه إلى الأرض، لم تكن الجنّة التي وعد بها المتقون، بل كانت من جنان الدنيا. و هذا لا يعني أنها كانت على الأرض بل كانت في إحدى الكواكب السماوية.

الجنة,آدم,حواء

يتسائل الكثير عن قول الله (سبحانه و تعالى): «وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ أَبى‏ وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرينَ وَ قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمين»[1]‏ و يقول: ترى أين وقعت الجنة التي طرد آدم و زوجته (عليهما السلام) منها؟ فهل هي نفس الجنة التي وعد بها المتقون في الآخرة أو كانت حديقة خلابة من حدائق الدنيا و بساتينها؟ و على الثاني، هل هي كانت في صقع من أصقاع الأرض أو كانت في إحدى الكواكب السماوية؟
يبدو أن الجنّة التي مكث فيها آدم قبل هبوطه إلى الأرض، لم تكن الجنّة التي وعد بها المتقون، بل كانت من جنان الدنيا و الدليل على ذلك:
أوّلا: الجنّة الموعودة في القيامة نعمة خالدة، و الذكر الحكيم يذكر مرارا و تكرارا خلودها، منها قوله تعالى: «جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدينَ فيها أَبَدا»[2] حيث قد أكّد (سبحانه و تعالى) على ذلك بكلمات ثلاث و هي «عدن» و «خالدين» و «أبدا». و منها قوله تعالى: «لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ»[3]، فلا يعقل إذن الخروج منها.
ثانيا: ان الكافر محروم عن الجنة الأخروية لقوله تعالى: « وَ نادى‏ أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرين»[4] و إبليس«كانَ مِنَ الْكافِرين‏»[5]، فليس له طريق للجنّة و ليس لوسوسته مكان هناك. 
ثالثا: انّ «فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ»[6] دون استثناء، بينما آدم (على نبينا و آله و عليه السلام) قد نهي فيها عما اشتهت نفسه!
رابعا: أنها ليست دار شريعة و تكليف و قد كلّف آدم فيها!
خامسا: و أنه لا يدخلها إلّا من آمن و عمل الصالحات و جاهد و صابر: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ»[7] و لا يعرف لآدم عمل يستحق به الجنة قبل دخولها و لا موقف للمصابرة قبل معركة الشيطان!
سادسا: وردت عن أهل البيت (عليهم السّلام) روايات تصرّح بذلك، منها ما روي عن الإمام جعفر بن محمّد الصّادق (عليه السّلام) أنه سئل عن جنّة آدم، فقال: «جنّة من جنّات الدّنيا، يطلع فيها الشّمس و القمر، و لو كان من جنان الآخرة ما خرج منها أبدا»[8]، فلتكن هي بما بيناه من جنان الدنيا.
ثم ترى هل هي من جنان الدنيا الأرضية أم السماوية؟ و الجواب يتضح لو ألقينا النظرة بدقة في الآيتين المذكورتين للتو؛ لأن «الهبوط» لیس إلّا الإنحدار و النزول من أعلى الى أدنى، كما أن «الإستقرار في الأرض» يعني أنهم لم يكونوا مستقرين فيها من قبل. أضف إلى ذلك قوله تعالى: «فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى‏، إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَ لا تَعْرى‏، وَ أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَ لا تَضْحَى»[9]، حيث لا يخفى ما في جنان الأرض من جوع و عرى و ظمأ وضحى، إذا فلتكن هي من جنان السماء، المتوفرة فيها مواصفاتها التي ليست في جنان الأرض أبدا.[10] فعلى هذا لا تدل الرواية المذكورة آنفا على أنها كانت على الأرض و إن كانت تطلع فيها الشمس و القمر، بل إنما هي كانت في كوكب من كواكب السماء.

المصادر:
[1]. سورة البقرة: 2، الآية 34 و 35.
[2]. سورة البينة: 98، الآية 8.
[3]. سورة الحجر: 15، الآية 48.
[4]. سورة الأعراف: 7، الآية 50.
[5]. سورة البقرة: 2، الآية 34.
[6]. سورة الزخرف: 43، الآية 71.
[7]. آل عمران: 3، الآية: 142.
[8]. «تفسير نور الثقلين»، العروسي الحويزي، عبد علي بن جمعة، قم، اسماعيليان، الطبعة الرابعة، 1415 هـ، ج1، ص62.
[9].  سورة طه: 20، الآية 117-119.
[10]. «الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن»، صادقي الطهراني، محمد، انتشارات فرهنك اسلامي (نشر الثقافة الاسلامية)، الطبعة الثانية، 1365 للهجرة الشمسية، ج1، ص308.

كلمات دلالية: 

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
3 + 10 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.