زيارة القبور و خاصة زيارة قبور كبار الدين و الوجهاء عند الله، أمر تدّعيه الشيعة و يستدل له علماءهم بشتى الأدلة و يوافقهم الرأي في ذلك كل الفِرق الإسلامية؛ ولكن ترى الوهابيةُ أن هذا الأمر خرافة و بدعة و يلزم منها الشرك!
عادة يزور الإنسان شخصاً يراه أعلى منه رتبة و منزلة؛ فأهل الدنيا يعتزون بزيارة الأثرياء و ذوو المقامات و الملوك و كل من يرون في زيارة تكمن منافع لربما ساعدهم الحظ على النيل بها عاجلا أو آجلا.
أما أهل الدين و من يسعى كل السعي لإعمار آخرته فتراه لاهياً عن الدنيا فهي بعينه دار رحيل لا دار قرار؛ لذا تراه يسعى لزيارة أهل الدين و الورع و أهل التقوى و أهل الآخرة؛ و هذا ليس خافياً على كل من لديه لُبٌ. فإنا نرى و من دون أي شك أن الناس كانوا في عصر النزول يسعون لزيارة رسول الله (صلى الله عليه و آله) من قريب و بعيد ولكن لم يدّع أحد أن فعلتهم هذه تُخرجهم عن إطار الدين فيصبحون بها مشركين و الحال أنهم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله).
لأن الصحابة كانوا يرون أن لرسول الله منزلة عظيمة عند الله تبارك و تعالى فهو النبي المرسل و هو شفيع أمته؛ و هذا بعينه ما تقوله الشيعة و كل الفِرَق الإسلامية أيضا ما عدا الوهابية.
إن الشيعة يسعون لزيارة قبر النبي (صلى الله عليه و آله) و هم أعلم و أعلى شأناً من أن يزوروا حجارة أو بناية أن قبراً فارغاً، بل إنهم و بعملهم هذا يأملون أن تُكتب لهم زيارة الرسول (صلى الله عليه و آله) و يدْعون النبي الخاتم (صلى الله عليه و آله) أن يشفع لهم عند الله بتكفير ذنوبهم و إزدياد رزقهم و قضاء حوائجهم الدنيوية و الأخروية.
و يزورون أبناءه بهذه النية تماماً. فهم أهل بيت الرسول (صلى الله عليه و آله) و هم الطيبون الطاهرون المعترف بحقهم أعدائهم و هم الذين قال الله تبارك و تعالى فيهم:
«يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْديهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ»[1]
أوليس أهل بيت النبي (صلى الله عليه و آله) الأئمة الهداة الطاهرين المعصومين هم أتم مصداق لمَن رضي الله له بالشفاعة؟ أولم يأذن الله تبارك و تعالى للشهداء بشفاعة خلقه؟[2] أولم يستشهد الإمام علي بن أبيطالب (عليه السلام) بضربة إبن ملجم اللعين و هو قائم يصلي في المحراب بمسجد الكوفة؟ ألم يستشهد الإمام الحسن (عليه السلام) بالسُم و ذلك بتدبير معاوية بن أبي سفيان الذي لعنه النبي و أبعده عن المدينة؟ أم ياترى ألم يستشهد الإمام الحسين (عليه السلام) و أبناءه و أصحابه في كربلاء على يد يزيد شارب الخمر و المتلهي بالقِرَدة فذُبح كما يُذبح الكبش إلا أنهم منعوه حتى شُربة الماء العذب؟ و كذلك سائر الأئمة المعصومين الذين إستشهدوا على أيدي سلاطين زمانهم الذين كانوا يدّعون خلافة رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟
كيف لايفهم هذا الأمر عقل الوهابية القاصر؟!!! كيف يرى الوهابية زيارة النبي (صلى الله عليه و آله) و زيارة أولياء الله بدعة و يسمون فاعلها مشركا و يسعون لهدم قبور أولياء الله و عتباتهم التي أصبحت اليوم ملجأ للعاصين و المذنبين لكي يسألوهم الشفاعة بتكفير ذنوبهم؟!!!
و هذا هو الداعي الأساسي لما نراه اليوم حيث تسير الملايين من الشيعة و أهل السنة و سائر الفرق الإسلامية و حتى النصارى مشياً على الأقدام فيقطعون عشرات بل مئات الكيلومترات لزيارة الحسين الشهيد (عليه السلام) آملين أن يغفر الله لهم ذنوبهم و يوفّقهم لما يرضاه لهم بمسيرتهم هذه.
المصادر
[1] الأنبياء، 28
[2] حدثنا سعيد قال: حدثنا خالد عن العوام عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: «يشفع النبيون يوم القيامة، ثم يشفع الشهداء فيشفع كل شهيد في أربعين.» سنن سعيد بن منصور، حديث رقم 2570