وصف أمهات المؤمنين و مصاديقه

15:21 - 2017/12/04

إن الله تبارك و تعالى وصف نساء النبي صلى الله عليه و آله بأمهات المؤمنين؛ إن كان هذا الوصف بمعنى الرفعة و المكانة العالية فعلى أيهن يحمل؟

خديجة الكبرى,أمهات المؤمنين,عائشة

وصف الله تبارك و تعالى نبيه بأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم و هذا وصف يستحق التأمل و التفكر أكثر فأكثر؛ ثم وصف أزواجه بأنهن أمهات المؤمنين حيث قال:
«النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ...»[1]

قال صاحب المجمع في تفسير هذه الآية الشريفة:
«المعنى إنهن للمؤمنين كالأمهات في الحرمة و تحريم النكاح و لسن أمهات لهم على الحقيقة إذ لو كن كذلك لكانت بنتاه أخوات المؤمنين على الحقيقة فكان لا يحل للمؤمن التزويج بهن فثبت أن المراد به يعود إلى حرمة العقد عليهن لا غير لأنه لم يثبت شي‏ء من أحكام الأمومة بين المؤمنين و بينهن سوى هذه الواحدة أ لا ترى أنه لا يحل للمؤمنين رؤيتهن و لا يرثن المؤمنين و لا يرثونهن و لهذا قال الشافعي و أزواجه أمهاتهم في معنى دون معنى»[2]

ثم یقول جل و على مخاطبا نساء النبي (صلى الله عليه و آله و سلم):
«يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسيراً»[3]

بيّن تبارك و تعالى في هذه الآية الكريمة أن نساء النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) إذا أذنبن و أتين بفاحشة مبينة واضحة فجزاءهن أن يكون لها ضعفين من العذاب لمكانتهن من رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم).

ثم تكلم سبحانه و تعالى عنهن بسياق آخر فهدد بعضهن بأنهن لو لم يتبن إلى الله من الذنب و الخطأ الذي صدر منهن فوليه الله و الملائكة و صالح المؤمنين أي أنهم معه ضدهن:
«وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبىِ إِلىَ‏ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَ أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَ أَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَاذَا قَالَ نَبَّأَنىِ‏ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ إِن تَتُوبَا إِلىَ اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَ إِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَئهُ وَ جِبرْيلُ وَ صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمَلَئكَةُ بَعْدَ ذَالِكَ ظَهِيرٌ عَسىَ‏ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيرْا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَئبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَئحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَ أَبْكاَرًا»[4]

يقول العلامة الطباطبائي في تفسير هذه الآيات:
«قوله تعالى: «إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما و إن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين و الملائكة بعد ذلك ظهير» أي إن تتوبا إلى الله فقد تحقق منكما ما يستوجب عليكما التوبة و إن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه، إلخ.
و قد اتفق النقل على أنهما عائشة و حفصة زوجا رسول الله ص.
و الصغو الميل و المراد به الميل إلى الباطل و الخروج عن الاستقامة و قد كان ما كان منهما من إيذائه و التظاهر عليه (ص) من الكبائر و قد قال تعالى: «إن الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا و الآخرة و أعد لهم عذابا مهينا»[5]
و قوله: «و إن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه‏» إلخ، التظاهر، التعاون؛ و ضمير الفصل في قوله: «فإن الله هو مولاه‏» للدلالة على أن لله سبحانه عناية خاصة به (ص) ينصره و يتولى أمره من غير واسطة من خلقه.
و وردت الرواية من طرق أهل السنة عن النبي ص و من طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت (ع) أن المراد بصالح المؤمنين علي عليه أفضل السلام.
و لحن الآيات في إظهار النبي ص على من يؤذيه و يريده بسوء و تشديد العتاب على من يتظاهر عليه عجيب؛ و قد خوطب فيها النبي ص أولا و عوتب على تحريمه ما أحل الله له و أشير عليه بتحلة يمينه و هو إظهار و تأييد و انتصار له و إن كان في صورة العتاب.
ثم التفت من خطابه إلى خطاب المؤمنين في قوله: «و إذ أسر النبي إلى بعض أزواجه‏» يشير إلى القصة و قد أبهمها إبهاما و قد كان أيد النبي و أظهره قبل الإشارة إلى القصة و إفشائها مختوما عليها؛ و فيه مزيد إظهاره.
ثم التفت من خطاب المؤمنين إلى خطابهما و قرر أن قلوبهما قد صغت بما فعلتا و لم يأمرهما أن تتوبا من ذنبهما بل بين لهما أنهما واقعتان بين أمرين إما أن تتوبا و إما أن تظاهرا على من الله هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين و الملائكة بعد ذلك أجمع ثم أظهر الرجاء إن طلقهن أن يرزقه الله نساء خيرا منهن. »[6]

بعد الذي مرّ، تبيّن أن أزواج النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) لم يسرن على الحق و موافقة الرسول دائما بل صغت قلوب بعضهن عن الحق و موافقة الرسول و متابعته لذا لسن سواسيا؛ بل فيهن من مضت على إيمانها و موافقة الرسول و إطاعته و منهن من تظاهرهن على الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم)؛ لذا لايصح عدهن سواسيا؛ بل أكبر من ذلك فقد تَعدّ هذا الأمر بعض المنافقين و الذين إشتروا بإيمانهم ثمنا قليلا بأن جعلوا الأدنى مرتبة منهن أعلاهن و التي صغى قلبها بمكانة تناطح مكانة الخليفة فواعجبا من أمة تبعتهم من دون وعي و تفكر و تأمل!

المصادر
[1] الأحزاب، 6
[2] مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج‏8، ص 530
[3] الأحزاب، 30
[4] التحريم، 3-5
[5] الأحزاب، 57
[6] الميزان فى تفسير القرآن، ج‏19، ص 332

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
13 + 6 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.