الوهابية تتهم الشيعة دوما بأنهم يغلون في أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ولكنك سترى في المقال أنها تغلو في دينه المفتعل أكثر من كل ديانة ومذهب.
الوهابية تتهم الشيعة دوما بأنهم يغلون في أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ولكنهم أنفسهم أشد مغالاة في علمائهم، قال الشاعر ولله دره: لا تنه عن خلق وتأتي مثله.
ليس من العسير الشديد عرفان مكانة أيِّ عالم من المعاريف، إذ التاريخ -مع ما فيه من الخبط و الخلط، و ما دسَّ فيه عباقرة الإفك و الافتعال- فيه رمز من الحقيقة، لا يختلط للناقد البصير زُبده بخاثره، و صحيحه بسقيمه، و يسع له أن يستخرج المحض بالمخض، يتّخذ منه دروس الحقائق، و يعرف به حدود الرجال، و مقاييس السلف، و مقادير الأمم الغابرة.
فتروي المالكية حديثا موضوعا على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): يكاد الناس يضربون أكباد الإبل فلا يجدون أعلم من عالم المدينة،[1] و طبّقوها على مالك بن أنس.
فكأنّ المدينة لم تكن عاصمة الإسلام، و لم يكن هناك عالم يقصد قبل مالك و بعده. و كأنّ أهل البيت الّذين جعلهم النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) قرينة القرآن في الاستخلاف و قال: «إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي» لم ترث علم النبيّ الأعظم. و كأنّ صادق آل محمّد- و كلّهم صادقون- لم يكن هو المنتجع الوحيد في العلم لأئمّة الدنيا في ذلك اليوم، و كأنّ مالكا لم يكن من تلامذته.
فيأتي صاحب الديباج المذهّب بدعوى الإجماع المجرّدة من المسلمين، على أنّ مالكا هو المراد من ذلك الحديث المزوّر، ذاهلا عن قول محمّد بن عبد الرحمن: إنّ أحمد كان أفضل من مالك بن أنس.[2]
و لهم حول أئمتهم منامات غريبة جدا، على سبيل المثال ذكر الحريفيش أن المالكية زعمت أن إمامهم يرى النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) كلّ ليلة؛ «قال المثنّى بن سعيد القصير: سمعت مالكا يقول: ما بتّ ليلة إلّا رأيت النبيّ فيها».[3]
هل يكذّب الإمام في دعواه الّتي لا تعلم إلّا من قبله؟! أو يرمى ابن سعيد بالإفك و إن كان قصيرا؟! أو يعاتب الحريفيش في نقله و إن كان مصغّرا؟
و للإمام مالك موقف خطر مع الملكين العظيمين: منكر و نكير، لا يقلّ عن موقف الإمام أحمد معهما؛ ذكره الشعراني في الميزان قال: «لمّا مات شيخنا شيخ الإسلام الشيخ ناصر الدين اللقاني رآه بعض الصالحين في المنام فقال له: ما فعل اللّه بك؟ فقال: لمّا أجلسني الملكان في القبر ليسألاني أتاهم الإمام مالك فقال: مثل هذا يحتاج إلى سؤال في إيمانه باللّه و رسوله؟ تنحّيا عنه، فتنحيّا عنّي».[4]
ألا من معبّر وهابي يعبّر هذه الأحلام؟! و لعلّ كلّ فرد من المعبّرين يقول: أضغاث أحلام و ما نحن بتأويل الأحلام بعالمين، و إن اتّخذها الحفّاظ كأصل مسلّم استندوا إليها عند المغالاة في الفضائل. كأنّ الملكين لم يكن عندهما عرفان بمن يحتاج إلى سؤال في إيمانه، و لم يكن هنالك ناموس مطّرد من المولى سبحانه يتّبعانه، أعوذ باللّه من ضؤولة العقل عند الوهابية.
المصادر:
[1] . السنن الكبرى للنسائي، ج4، ص263.
[2] . تاریخ بغداد، ج2، ص298.
[3] . الروض الفائق، ص270.
[4] . الميزان، ج1، ص46.