الصحابة في ميزان القرآن

10:42 - 2021/06/09

إن مسألة الصحابة وصحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذت حيزا كبيرا من النقاش والمتابعة بين المذاهب الإسلامية، وهي من أبرز القضايا الذي تؤخذ على الشيعة ويُشنعون عليها حينما يتم التعاطي مع المذهب الشيعي، وبكل أسف هذا التعاطي لايتم عن بصيرة أو إنصاف وإنما مبدأه النصب والحقد الدفين على الشيعة...

الصحابة, صحابة النبي, الشيعة, ابن تيمية, القرآن الكريم

ذهب بعض المفترين والحاقدين على الشيعة في مسألة نقد بعض الصحابة إلى التشنيع والتشهير بهم وألصقوا تُهماً كيدية و واهية بهم لا معقولَ ولا منقولَ يُؤيِّدها، بل وفضّلوا اليهود والنصارى على شيعة آل البيت عليهم السلام نتيجة موقفهم القرآني _كما سيوافيك_ من الصحابة. ومن ذلك ما يذكره ابن تيمية حيث يقول: "وفُضّلت اليهود والنّصارى على الرافضة بخصلتين: سُئلت اليهود مَن خيرُ أهلِ مِلّتِكم؟ قالوا: "أصحاب موسى". وسُئلت النصارى مَن خيرُ أهلِ ملتِِكم؟ قالوا: "حَوارِيُّو عيسى". وسُئلت الرافضة مَن شرُّ أهلِ ملّتكم؟ قالوا: "أصحاب محمد". أُمروا بالاستغفار لهم فسبُّوهم، فالسيف مسلول عليهم إلى يوم القيامة لا يثبت لهم قدم ولا تقوم لهم راية ولا تجتمع لهم كلمة، دعوتهم مدحوضة وجمعهم متفرق، كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله عز وجل" (١)، غير أنّ المتتبّع للقرآن ومنهجِه في تناول شأن الصحابة بشكل كامل ودقيق ودون تعصّب أو زيغ أو ميل؛ يُدرك حقيقة الموقف الذي تبنته الشيعة تجاه الصحابة وأن ذلك الموقف أساسه قرآني محض، فالآيات التي خاضت في مسألة الصحابة تعاملت معهم بشكل واضح وحليٍّ دون طمسٍ لحقيقتهم. فالذين دلّسوا وحرفوا هذه الحقيقة وقالوا بأن القرآن دال على أن الله قد رضي عن الصحابة جميعا نظروا إلى بعض الآيات؛ كقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (٢). 
وقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ... إلى قوله: ...أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (٣). 
وقوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}(٤)، وغفلوا أو تغافلوا عن باقي الآيات في هذه المسألة ولم يرجعوا إلى جميع القرآن. 
إن القرآن _وهو كلام الله تعالى_ يحدثنا وبشكل واضح لا لبسَ فيه أن الصحابة بشرٌ كباقي البشر، منهم المذنب والفاجر والمنافق والمرتد والخائن. فالصحبة إذن بحد ذاتها ليست تأشيرة مباشرة لدخول الجنة، فهاهو القرآن بين أيدينا يتحدث عن الصحابة في آيات مستفيضة لا تقبل التأويل، وليس فقط آيات مقتبسة من هنا أو هناك لتضليل العوام والكذب عليهم. 
وسنستعرض بعض الآيات في الأسطر التالية لنستشفّ منها أساس الموقف الذي يتبناه الشيعة تجاه الصحابة هل هو موقف علمي مرجعه قرآني أو هو _عياذا بالله_ كيدي مَردُّه شيطاني..؟ 
ومن هذه الآيات قوله تعالى { وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } (٥)، فتأمل معي هذه الآية إنها صريحة في بيان حال الصحابة من المهاجرين والأنصار بعد استشهاد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، حيث أن صحبتهم له وهجرتهم معه لم تكن مانعة لهم من الإنقلاب على الأعقاب والفسق بل وحتى الإرتداد، وهذا دليلُ يقينٍ على أن مثل هذه الأفعال الشنيعة ليست مستحيلة أن تصدر من صحابة النبي صلى الله عليه وآله، ومن يقول عكس ذلك فقد وقع في دائرة الغلوِّ في الدين الذي نهى الله تعالى عنه في قوله{قُلْ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ لَا تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوٓاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍۢ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} (٥).
ومن الآيات التي تتحدث عن الصحابة قوله تعالى {إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (٦). وهذه الآية تخبر عن فرار قسم من الصحابة من المهاجرين والأنصار يوم الزحف، والقرار منه من الموبقات والكبائر خصوصا وهم بين يدي خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليه. 
ومن الآيات قوله تعالى:{إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا، وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا، وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا، وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيرًا، وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولا، قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لّا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلا، قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} (٧).
وهذه الآيات تدل على أن جملة من الذين أظهروا الإسلام والإيمان وشاركوا مع النبي صلى الله عليه وآله في غزواته؛ كانوا منافقين ومن الذين في قلوبهم مرض، ولم يعرف منهم إلا القليل ممن ظهرت منهم كلمات النفاق، كأوس بن قيظي الذي شهد أحدا، وأصحابه الذين استأذنوا النبي صلى الله عليه وآله وقالوا بيوتنا عورة. وهذا يعني أن الصحابة ليسوا على طبقة واحدة، ولا يمكن الحكم على الجميع بحكم واحد. 
ومن الآيات الأخرى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (٨)، وهنا يُطرح سؤال من هم الذين جاءوا بالإفك؟! إنهم ليسوا جماعة من كوكب المريخ ولا المشتري بل جماعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله، وكان منهم مسطح بن أثاثة، وهو ابن خالة أبي بكر، والذي كان من المهاجرين الأوائل، وممن شهد بدرا، فأقام عليه النبي صلى الله عليه وآله حدّ القذف؟!
فهل يا ترى قد منعت الصُّحبة هؤلاء العُصبة من المهاجرين والأنصار من ارتكاب الكبائر وقذف المحصنات؟ 
فإذا كان هذا حال المهاجرين والأنصار وأنهم معرضون للموبقات والذنوب الكبيرة، فما بالك بمن دونهم من الطلقاء وأبناء الطلقاء؟! 
ومنها قوله تعالى:{وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ ٱلْأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍۢ} (٩).
وهذه الآية تشير إلى وجود مجموعة من المنافقين مندسين بين الصحابة من الأعراب ومن أهل المدينة، وأن نفاقهم خفي لايعلمه إلا الله وحتى النبي صلى الله عليه وآله لايعلمه لولا تعليم الله تعالى، فليس كل من اتبع النبي صلى الله عليه وآله ظاهرا يعد من أهل الإسلام والإيمان بل قد يكون من المتظاهرين بالإسلام والإيمان. 
ومنها قوله تعالى:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَٰسِقُونَ} (١٠)، فهذه الآية ترشدنا إلى أن جماعة من الصحابة لم يكن لديهم خشوع قلبي لذكر الله وما أُنزل من الحق، بل يتصفون بقسوة في القلب وهو أمر مذموم بلا أدنى شك، ويدلل على ضعف إيمانهم واعتقادهم، والله سبحانه وتعالى قد بيّن في آية أخرى أن المؤمن الحقيقي هو الذي يتصف بالوجل والخشوع فقال عز من قائل:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (١١).
وأخرج مسلم والنسائي وأبو يعلى وغيرهم عن ابن مسعود قال: <ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ} إلا أربع سنين> (١٢) واللفظ لمسلم. 
وهو يدل على أن المخاطبين بهذه الآية هم من الصحابة الأوائل، فكيف يمكن أن يُدّعى بعد هذا كله أن الصحابة في المراتب العليا من الإيمان؟! 
فالنتيجة التي نستخلصها على ضوء القرآن الكريم، أن القرآن لم ينظر إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله سوى أنهم بشر كباقي البشر يصدر منهم سائر ما يصدر من الناس من الذنوب والكفر والإرتداد، ولا عصمة لأحد إلا للنبي وآله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. 
إذن ما يذكره الشيعة من نقد بعض الصحابة نظرا لما صدر منهم من المواقف غير الصحيحة تجاه الله ورسوله وأهل البيت عليهم السلام، وما يذكره الشيعة في هذا الصدد ليس من الأمور التي تخالف القرآن، بل إن القرآن يؤكدها، وإن بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله من المهاجرين والأنصار _فضلا عن غيرهم من الطلقاء_ قد صدرت منهم الأمور والأفعال الشنيعة، ولم يُعط القرآن ضمانة لعدم صدورها مرة أخرى لو فُرض توبتهم. 
فهل كان ابن تيمية وأشباهه أعلم بالصحابة من القرآن الكريم حتى يُشنع على الشيعة ويجعلهم في المراتب الدنية بعد اليهود والنصارى؟! 

المصادر
(١). (منهاج السنة النبوية؛ 1/27).
(٢). (سورة التوبة الآية ١٠٠)
(٣). (سورة الأنفال الآيات ٧٢_٧٤)
(٤). (سورة الفتح الآية ٢٩)
(٥). (سورة سورة آل عمران الآية ١٤٤)
(٦). (سورة سورة آل عمران ١٥٥)
(٧). (سورة سورة الأحزاب الآيات ١٠_١٧)
(٨). (سورة سورة النور الآية ١١)
(٩). (سورة التوبة الآية ١٠١)
(١٠). (سورة سورة الحديد الآية ١٦)
(١١). (سورة سورة الأنفال الآية ٢)
(١٢). ( : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 3027) 

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
3 + 6 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.