الوضوء في القرآن

18:36 - 2021/07/08

من مسائل الخلاف بين المذهب الإمامي والمذاهب الإسلامية الأخرى؛ قضية "كيفية الوضوء"، وبدقة أكثر فإن الجميع في الجملة متفقون على كيفية معينة للوضوء إلا جزئية الأرجل، فقالت الشيعة بمسحها، وقال أهل السنة بغسلها. 

الوضوء, القرآن الكريم, أهل السنة, ابن تيمية, أبو حنيفة, أصحاب مالك

يُعدّ الوضوء طهارة مائية لأعضاء معينة بكيفية مخصوصة شرعها الشارع المقدس وبيّنها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله: {یاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}.(1). والناظر إلى المذاهب الإسلامية وتناولهم لكيفية الوضوء فإنه يجدهم قد اختلفوا في كيفيته، فإن أهل السنة والجماعة يغسلون أرجلهم عند الوضوء ولا يمسحون عليها، بخلاف الشيعة الإمامية فإنهم يمسحون على الأرجل دون غسلها. فأي من الفريقين في هذه المسألة يمثل المذهب الحقّ والثاني يُمثل المذهب البدعي؟!. 
يقول ابن حزم في "المحلى": ( مسألة : وأما قولنا في الرجلين فإن القرآن نزل بالمسح . قال الله تعالى:{ وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم } وسواء قُرِأ بخفض اللام أو بفتحها هي على كل حال عطف على الرؤوس: إما على اللفظ وإما على الموضع، لا يجوز غير ذلك. لأنه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة. وهكذا جاء عن ابن عباس: نزل القرآن بالمسح _يعني في الرجلين في الوضوء_ وقد قال بالمسح على الرجلين جماعة من السلف منهم: الإمام علي عليه السلام وابن عباس والحسن وعكرمة والشعبي وجماعة غيرهم، وهو قول الطبري، ورويت في ذلك آثار. منها أثر من طريق همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثنا علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه - هو رفاعة بن رافع - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم يقول: إنها { لا تجوز صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل ثم يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين }.
وعن إسحاق بن راهويه ثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن عبد خير عن علي " كنت أرى باطن القدمين أحق بالمسح حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم يمسح ظاهرهما. (2). 
إذن القرآن الكريم جاء بالمسح وصرّح به لا الغسل والروایات کذلک ... فمن أين جاء الحكم بغسل الرجلين عند أهل السنة يا ترى ؟؟!!
يستند أهل السنة في قولهم بغسل الأرجل إلى روايات أقل ما يمكن أن يُقال عنها أنها محل بحث دلالة وسندا، بل إنها أخبار آحاد لاتقوم لها قائمة امام البحث والتدقیق العلمی, ويمكن استخلاص نتيجة واحدة لما ذهبوا إليه وهو أن حكم المسح الذي جاء به القرآن الكريم هو منسوخ باعتبار حكم الغسل الوارد في تلك الروايات التي يروونها في هذا الباب ...!! 
وما ذهبوا إليه من نسخ السنة للقرآن فيه عجب؛ فكيف يمكن نسخ القرآن الكريم بالسنة, والله سبحانه وتعالی یقول في سورة البقرة الآیة 106:{وَمَا نَنسخ من ءایة أو ننسها نأت بخیر منها أو مثلها}..؟!. 
وهذه المسأله توقف عندها أعلام من أهل السنة ولم يقولوا بجواز نسخ السنة للقرآن سواء أكانت متواترة أو آحادا بل قالوا بعدم الجواز وذهب إلى ذلك جماعة منهم: الثوريُّ والشافعيُّ وأحمدُ –في روايةٍ– وطائفةٌ مِن أصحابِ الإمام مالكٍ .
قال الإمام الشافعيُّ :" وأبانَ الله لهم أنّه إنّمَا نسخَ ما نسخَ مِن الكتابِ بالكتابِ ، وأنّ السنّةَ لا ناسخة للكتابِ وإنّمَا هي تَبَعٌ للكتابِ ".(3)
وسُئِلَ الإمام أحـمد: تنسخُ السنّةُ شيئًا مِن القرآنِ؟ قـال:" لا يُنْسَخُ القرآنُ إلاّ بالقرآنِ".( 4)
ورجَّحَ هذا القولَ ابنُ قدامةَ (5) وابنُ تيميةَ .(6)
أما القائلين منهم بالجواز  _كما هو المنقول عن أبي حنيفة وغيره_  فهو مجرد فرضية لم يثبت لها واقع خارجا كما يصرح بذلك ابن تيمية بقوله: "وبالجملةِ فلَمْ يثبت أنّ شيئًا مِن القرآنِ نُسِخَ بِسُنَّةٍ بلا قرآنٍ " .(7). 
والروايات التي يرجع إليها القوم في قولهم بغسل الأرجل معارضة بأخبار كثيرة من السنة نفسها ورد فيها لزوم المسح على الرجلين، كالحديث الوارد عن رفاعة بن رافع أنه كان جالسا عند رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم فقال : إنّها لا تتم صلاة لاحد حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين . (8). وتجدر الإشارة إلى أن جملة "كما أمره الله" تستحق التأمل، فإنها مما يؤكد القول بالمسح على الأرجل الذي نزلت به آية الوضوء، فالله لم يأمر إلا بالمسح. وقد علق الشيخ الألباني في ذيل هذا الحديث على قول المنذري:( رواه ابن ماجة باسناد جيد )بقوله: "وهذا يوهم أنه لم يروه من السنة سوى ابن ماجة، وليس كذلك، فقد أخرجه أبو داود والنسائي والدارمي، واسنادهم على شرط البخاري، وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. هؤلاء أخرجوه في حديث المسيء صلاته.(9).
نعم، هناك محاولة تطرّق إليها الرازي، جاء فيها : ( أن الغسل مشتمل على المسح ولا ينعكس ، فكان الغسل أقرب إلى الاحتياط ، فوجب المصير إليه ).(10). 
وهذا غريب لأن الغسل والمسح مفهومان مختلفان: (وجودي وعدمي)، وأحدهما غير الآخر ، فالغسل قد أخذ في مفهومه سيلان الماء على المغسول ولو قليلا ( أي وجود سيلان للماء )، وأما المسح فقد أُخذ في مفهومه عدم السيلان والإكتفاء بتمرير اليد على الممسوح (أي عدم وجود سيلان للماء).. وعليه، كيف ساغ للرازي أن يجعل المفهومين المختلفين ضمن حقيقة واحدة توجد خارجا ؟؟!!. 
و اخيرا قد قيل أن مقتضى الإحتياط هو "الجمع بين الغسل والمسح" على نحو الترتيب، بحيث يمسح المتوضىء رجليه أولا ثم يغسلهما، ولكن هذا الجمع هو فرع ثبوت حجية أدلة الغسل في مرحلة سابقة، وهي لم تثبت. فيبقى القرآن مرجعا في لزوم ووجوب المسح على الأرجل في الوضوء وليس ما ذهب إليه أهلا الخلاف. 

________________________

 المصادر:
[1]. سورة المائدة الآية: 6.
[2]. المحلى: 56/2. 
[3]. الرسالة للشافعي ص106.
[4]. جامع بيان العلم وفضله 2 / 564. 
[5]. روضة الناظر ص78.
[6]. مجموع فتاوى ابن تيمية 17 / 195 ، 197و 19 / 202 و 20 / 398. 
[7]. مجموع فتاوى ابن تيمية 20 : 398 .
[8]. صحيح الترغيب والترهيب - محمد ناصر الدين الألباني : 208 .
[9]. صحيح الترغيب والتهذيب : 208. بتصرف. 
[10]. تفسير الرازي 11: 161.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
13 + 4 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.