سعة رحمة الله

19:52 - 2021/08/07

-كتب الله على نفسه الرحمة كما نطق بذلك الكتاب العزيز، فأي مخلوق لايُحرم من رحمته، فبها يتراحمون.. 

سعة رحمة الله, تعهد الله بالرحمة

قال الله عز وجل: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}. (1).
{ورحمتي وسعت كل شيء} قال الحسن وقتادة إن رحمته في الدنيا وسعت البر والفاجر وهي يوم القيامة للمتقين خاصة، وقال عطية العوفي وسعت كل شيء ولكن لا تجب إلا للذين يتقون وذلك أن الكافر يرزق ويدفع عنه بالمؤمن لسعة رحمة الله للمؤمن فيعيش فيها فإذا صار في الآخرة وجبت للمؤمنين خاصة كالمستضيء بنار غيره إذا ذهب صاحب السراج بسراجه، وقيل معناه أنها تسع كل شيء إن دخلوها فلو دخل الجميع فيها لوسعتهم إلا أن فيهم من لا يدخل فيها لضلالة، وفي الحديث إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قام في الصلاة فقال أعرابي وهو في الصلاة اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا فلما سلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال للأعرابي لقد تحجرت واسعا يريد رحمة الله عز وجل أورده البخاري في الصحيح. (2).
ورحمتي وسعت كل شئ: في الدنيا فما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في نعمتي، أو في الدنيا والآخرة، إلا أن قوما لم يدخلوها لضلالهم. (3).
يُطلق القرآن رحمة اللّه على عنايته، و على ثوابه، و معنى العناية منه جل ثناؤه أن الموجودات بكاملها، حتى إبليس تفتقر اليه سبحانه في بقائها واستمرارها، كما تفتقر إليه في أصل وجودها، و أنه هو الذي يمدها بالبقاء في كل لحظة من لحظات استمرارها في الوجود، بحيث لو تخلى عنها طرفة عين فما دونها لم تكن شيئا مذكورا، و أوضح تفسير لهذه الرحمة و العناية الآية ٤٥ من سورة فاطر { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلٰى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ }. وهذه الرحمة هي المراد من قوله تعالى: "وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ" حتى إبليس اللعين. أما الرحمة بمعنى الثواب فان اللّه سبحانه يمنحها لمن آمن و اتقى، و إليها أشار بقوله: "فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏" المعاصي، و يمتثلون أمر الله و نهيه‏ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ و ذكر الزكاة دون الصلاة، لأن الإنسان يطغى ان رآه استغنى.(4).
وإلى هذا المعنى الجليل تشير الروايات الشريفة عن أهل البيت عليهم السلام، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله تعالى خلق مائة رحمة يوم خلق السماوات والأرض كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض، فأهبط رحمة منها إلى الأرض فبها تراحم الخلق، وبها تعطف الوالدة على ولدها، وبها تشرب الطير والوحوش من الماء، وبها تعيش الخلائق (5).
و عنه (صلى الله عليه وآله): لن يدخل الجنة أحد إلا برحمة الله، قالوا: ولا أنت؟ " قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله (6).
وعن الإمام علي (عليه السلام): فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته (7).
و عنه (عليه السلام): " في خلقة آدم "... ثم بسط الله سبحانه له في توبته، ولقاه كلمة رحمته" (8).
وإلى سعة رحمة الله تعالى تشير آيات وروايات أخرى، يقول الله سبحانه وتعالى : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُۥ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِۦ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ }
(9).
وقال أيضا : { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وٰسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُۥ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }. (10). 
وقال : { وَاكْتُبْ لَنَا فِى هٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الْءَاخِرَةِ إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِىٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنْ أَشَآءُ ۖ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكٰوةَ وَالَّذِينَ هُم بِـَٔايٰتِنَا يُؤْمِنُونَ }. (11).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : "إن الله تعالى خلق مائة رحمة، فرحمة بين خلقه يتراحمون بها، وادخر لأوليائه تسعة وتسعين". (12).
وعنه (صلى الله عليه وآله): "لو تعلمون قدر رحمة الله تعالى لاتكلتم عليها". (13).
وفي كنز العمال أن عمر قدم على النبي (صلى الله عليه وآله) بسبي فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا النبي (صلى الله عليه وآله): "أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها". (14).
وعن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال : "يا أصبغ! لئن ثبتت قدمك وتمت ولايتك وانبسطت يدك فالله أرحم بك من نفسك". (15).
ورُوي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قوله : "ما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودد إلى من يؤذيه بأوليائه، فكيف بمن يؤذى فيه، وما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه، فكيف بمن يترضاه ويختار عداوة الخلق فيه". (16). 
ونُقل عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قوله: لما قيل له إن الحسن البصري قال: "ليس العجب ممن هلك كيف هلك وإنما العجب ممن نجى كيف نجى! -: أنا أقول: ليس العجب ممن نجى كيف نجى، وأما العجب ممن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله"!!. (17).
وعنه أيضا (عليه السلام): "لا يهلك مؤمن بين ثلاث خصال: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وشفاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسعة رحمة الله عز وجل". (18).
وقد تعهد الله بالرحمة، وهذا ما تدلنا إليه الآيات وبعض روايات المعصومين (عليهم السلام).
قال تعالى : { وَإِذَا جَآءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـَٔايٰتِنَا فَقُلْ سَلٰمٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلٰى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُۥ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوٓءًۢا بِجَهٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعْدِهِۦ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (19)
وقال أيضا : { قُل لِّمَن مَّا فِى السَّمٰوٰتِ وَالْأَرْضِ قُل لِّلَّهِ ۚكَتَبَ عَلٰى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلٰى يَوْمِ الْقِيٰمَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوٓا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }. (20).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ما خلق الله من شئ إلا وقد خلق له ما يغلبه، وخلق رحمته تغلب غضبه". (21).
و عن الإمام الباقر (عليه السلام): "إن الله تبارك وتعالى الحليم العليم إنما غضبه على من لم يقبل منه رضاه، وإنما يمنع من لم يقبل منه عطاه، وإنما يضل من لم يقبل منه هداه... كتب على نفسه الرحمة، فسبقت قبل الغضب فتمت صدقا وعدلا". (22).

________________________

المصادر :
[1]. الأعراف، الآية: 156.
[2]. تفسير مجمع البيان للطبرسي، ص101، ج8-9،
[3]. تفسير الصافي الفيض الكاشاني، ص140، ج8-9
[4]. الكاشف، جواد مغنية، ص74، ج8-9
[5]. كنز العمال: 10464.
[6]. كنز العمال:10407.
[7]. نهج البلاغة: الخطبة ١.
[8]. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:102/1.
[9]. سورة غافر، الآية: 7.
[10]. سورة الأنعام : 147.
[11]. سورة الأعراف: 156.
[12]. كنز العمال: 5668 ، 10387،10466.
[13]. كنز العمال: 5668 ،10387، 10461.
[14]. كنز العمال: 5668، 10387، 10461.
[15]. أمالي الطوسي: 173 / 292.
[16]. تحف العقول: 399.
[17]. البحار: 78 / 153 / 17 وص 159 / 10.
[18]. البحار: 78 /153 / 17 وص 159 / 10.
[19]. سورة الأنعام، الآية: 54.
[20].  سورة الأنعام، الآية: 12
[21]. كنز العمال: 10390.
[22]. الكافي: 8 / 52 / 16. 

كلمات دلالية: 

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
1 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.