ادعی اکثر العامة أن معاویة بن أبي سفيان کان من كتّاب الوحي، فعدوها فضیلة عظیمة لكن کتابة القرآن لم تکن فضيلة علی أنه لم یثبت أن معاویة کتب شیئا من القرآن.

قد ادعی اکثر العامة أن معاویة بن أبي سفيان کان من كتّاب الوحي، فعدوها فضیلة عظیمة ما تحلی بها إلا بعض کبار الصحابة کأميرالمؤمنین علي عليه السلام وأبي بن كعب وزيد بن ثابت.
لكن کتابة القرآن لم تکن له فضيلة هامة فعبد الله بن أبي سرح الذی اتفق الشيعة و العامة علی أنه کان من كتّاب الوحي، ارتد في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله و امر رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم بقتله حتی لو کان معلقا بأستار الكعبة.
ذکر ابن أبي شيبة فی المصنف والذهبي في تاريخ الإسلام و غیرهما أنه لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْح مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وأله وسلم النَّاسَ إِلاَّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَقَالَ : أُقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ : عِكْرِمَةَ بْنَ أَبي جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَطْلٍ ، وَمَقِيسَ بْنَ صُبَابَةَ ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبي سَرْحٍ. [1]
و کان کاتب آخر ارتد و لحق باهل الكتاب فنبذت الارض جسده بعدما مات و دفنوه. ذکر مسلم النيسابوري قصته قال: حدثني محمد بن رَافِعٍ حدثنا أبو النَّضْرِ حدثنا سُلَيْمَانُ وهو بن الْمُغِيرَةِ عن ثَابِتٍ عن أَنَسِ بن مَالِكٍ قال كان مِنَّا رَجُلٌ من بَنِي النَّجَّارِ قد قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ وكان يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقَ هَارِبًا حتي لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ قال فَرَفَعُوهُ قالوا هذا قد كان يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ فَأُعْجِبُوا بِهِ فما لَبِثَ أَنْ قَصَمَ الله عُنُقَهُ فِيهِمْ فَحَفَرُوا له فَوَارَوْهُ فَأَصْبَحَتْ الْأَرْضُ قد نَبَذَتْهُ على وَجْهِهَا ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا له فَوَارَوْهُ فَأَصْبَحَتْ الْأَرْضُ قد نَبَذَتْهُ على وَجْهِهَا ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا له فَوَارَوْهُ فَأَصْبَحَتْ الْأَرْضُ قد نَبَذَتْهُ على وَجْهِهَا فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذًا .[2]
بل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله النصاری بكتابة الوحي ایضا لقلّة الکتّاب.
ذکر محيي السنة أبو القاسم البغوي: سأل رجل أحمد وأنا أسمع ، بلغني أن النصارى يكتبون المصاحف فهل يكون ذلك ؟ قال: نعم ، نصارى الحيرة كانوا يكتبون المصاحف وإنما كانوا يكتبونها لقلّة من كان يكتبها [3].
فلو کانت كتابة الوحي فضيلة لمعاوية، لکانت فضیلة لعبد الله بن أبي سرح وللرجل المرتد ونصاری الحيرة ایضا!
ثم العمدة في اثبات هذه الدعوی هو الخبر الذي ورد في صحیح مسلم بن الحجاج النيسابوري: ...حدثنا عِكْرِمَةُ حدثنا أبو زُمَيْلٍ حدثني بن عَبَّاسٍ قال: كان الْمُسْلِمُونَ لَا يَنْظُرُونَ إلى أبي سُفْيَانَ ولا يُقَاعِدُونَهُ فقال لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يا نَبِيَّ اللَّهِ ثَلَاثٌ أَعْطِنِيهِنَّ قال نعم قال عِنْدِي أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أبي سُفْيَانَ ازوجكها قال نعم قال وَمُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بين يَدَيْكَ قال نعم قال وَتُؤَمِّرُنِي حتى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ كما كنت أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ قال نعم... .[4]
لکن هذا الخبر یخالف الواقع لأن النبی صلى الله عليه وأله وسلم کان قد تزوج ام حبیبة قبل فتح مکة بسنین فلا معنی لما نقل عن أبي سفیان! فارتبک کبار العامة في هذا الخبر.
قال النووي فی شرح هذه الرواية: واعلم أن هذا الحديث من الاحاديث المشهورة بالاشكال ووجه الاشكال أن أبا سفيان إنّما أسلم يوم فتح مكة سنة ثمان من الهجرة وهذا مشهور لا خلاف فيه وكان النبي صلي الله عليه وسلم قد تزّوج أم حبيبة قبل ذلك بزمان طويل.. قال القاضي: والذي في مسلم هنا أنّه زوّجها أبو سفيان غريب جدّاً وخبرها مع أبي سفيان حين ورد المدينة في حال كفره مشهور ... وقال ابن حزم هذا الحديث وهمٌ من بعض الرواة ؛ لأنّه لا خلاف بين الناس أنّ النبي صلي الله عليه وسلم تزّوج أم حبيبة قبل الفتح بدهر وهي بأرض الحبشة وأبوها كافر وفي رواية عن ابن حزم أيضاً أنّه قال: موضوع. قال: والآفة فيه من عِكْرِمَة بن عمار الراوي عن أبي زميل . [5]
حتی ابن قيم الجوزية ناشر افكار وعقائد ابن تيمیة وتلمیذه استشکل علی هذه الروایة و أطال الکلام في ذلک.[6]
فهذا من الأحاديث التی وقع فيها التخليط و اشتهر بالإشكال والإعضال.
ثم إن معاوية بن أبي سفيان کان مشرکا منذ عشرین سنة من ابلاغ رسالة النبي صلى الله عليه و استسلم تحت ظل السیوف فی السنة الثامنة من الهجرة بعد فتح مكة وتشرف بلقب الطلیق و کان من الطلقاء ومااسلم بل استسلم. قال إبن أبي الحديد المعتزلي: لما نظر علي عليه السلام إلي رايات معاوية وأهل الشام ، قال : والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، ما أسلموا ولكن استسلموا ، وأسروا الكفر ؛ فلما وجدوا عليه أعواناً ، رجعوا إلى عداوتهم لنا.[7]
فکیف یمکن أن یعتمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علی مثل معاوية و یجعله كاتب الوحي؟
فلم یثبت فیما روي أن معاوية کان کتاب القرآن و لو فرض ثبوت ذلک فلا یدل علی شئ من فضيلة!
قال محمود أبو رية المصري: أنهم أرادوا أن يزدلفوا إلى معاوية فجعلوه من ( كتّاب الوحي ) وأمعنوا في هذا الازدلاف، فرووا أنه كتب آية الكرسي بقلم من ذهب جاء به جبريل هدية لمعاوية له من فوق العرش! وقد فشا هذا الخبر بين كثير من الناس على حين أنه في نفسه باطل ، تأباه البداهة ويدفع من صدره العقل ! إذ كيف يأمن النبي صلى الله عليه وآله لمثل معاوية على أن يكتب له ما ينزل في القرآن ! وهو وأبوه وأمه ممن أسلموا كرها. ولما يدخل الايمان في قلوبهم ! إن هذا مما لا يمكن أن يقبله العقل السليم! وأما من ناحية النقل فإنه لم يأت فيه خبر صحيح يؤيده.[8]
المصادر
[1] . إبن أبي شيبة الكوفي ، أبو بكر عبد الله بن محمد ، الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار ، ج 7 ، ص 404 ، تحقيق : كمال يوسف الحوت ، ناشر : مكتبة الرشد - الرياض ، الطبعة : الأولى ، 1409 والذهبي ، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان أبو عبد الله ، تاريخ الإسلام و وفيات المشاهير والأعلام ، ج 2 ، ص 552 ، تحقيق : د. عمر عبد السلام تدمري ، ناشر : دار الكتاب العربي - لبنان/ بيروت ، الطبعة : الأولى، 1407هـ - 1987م .
[2] . النيسابوري ، مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري (المتوفی261هـ) ، صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 2145 ، ح2781 ، كِتَاب صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِمْ ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، ناشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت .
[3] . البغوي ، أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، جزء في مسائل عن الإمام أحمد بن حنبل ، ج 1 ، ص 21 و إبن القيم الجوزية ، الزرعي الدمشقي ، محمد بن أبي بكر أيوب أبو عبد الله، بدائع الفوائد ، ج 4 ، ص 851 ، تحقيق : هشام عبد العزيز عطا - عادل عبد الحميد العدوي - أشرف أحمد الج ، ناشر : مكتبة نزار مصطفى الباز - مكة المكرمة، الطبعة : الأولى، 1416 - 1996 .(مع اختلاف یسیر).
[4] . النيسابوري ، مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري (المتوفی261هـ) ، صحيح مسلم ، ج 4 ص 1945 ، ح2501 ، كِتَاب فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، ناشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت.
[5] . النووي ، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري ، شرح النووي على صحيح مسلم ، ج 16 ، ص 63 ، ناشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت ، الطبعة الثانية ، 1392 هـ .
[6] . إبن قيم الجوزية، الزرعي الدمشقي ، محمد بن أبي بكر أيوب، جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام ، ج 1 ، ص 243 ـ 249 ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط - عبد القادر الأرناؤوط ، ناشر : دار العروبة - الكويت ، الطبعة : الثانية ، 1407 - 1987 .
[7] . إبن أبي الحديد المعتزلي ، أبو حامد عز الدين بن هبة الله ، شرح نهج البلاغة ، ج 4 ص 18 ، ، تحقيق : محمد عبد الكريم النمري ، ناشر : دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان ، الطبعة : الأولى، 1418هـ - 1998م .
[8] . محمود أبو رية ، شيخ المضيرة أبو هريرة ، ص 205 ، ناشر : منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، الثالثة .
نظرات
احسنت