إنّ للتقوى مراتب متعدّدة بحسب استطاعة الناس فبعض یتقي اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ و بعض آخر مَا اسْتَطَاع!
لقد دلت الأدلة كلها من القرآن و السنة على شرف التقوى، قال الله عز وجل "وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[1]، فلو أن هناك خصلة أجمع للخير العاجل والآجل من تقوى الله عز وجل لأوصى الله عز وجل بها الأولين والآخرين.
إنّ للتقوى مراتب متعدّدة، وقد أشار إليها القرآن الكريم. قال تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ[2].
ومعناه أنّ من مراتب التقوى مرتبةٌ هي حقّ التقوى.
وهناك مراتب دون هذه المرتبة، قال العلامة الطباطبائی في الميزان: «إذا أخذ التقوى حقّ التقوى، كان محض العبودية التي لا تشوبها إنية وغفلة، وهي الطاعة من غير معصية، والشكر من غير كفر، والذكر من غير نسيان. وهذا المعنى غير ما يستفاد من قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[3].
فإنّ هذه الآية تعني أن لا تذروا التقوى في شيء ممّا تستطيعونه. غير أنّ الاستطاعة تختلف باختلاف قوى الأشخاص وأفهامهم وهممهم.[4]
ولا ريب أنّ حقّ التقوى بالمعنى الذي ذكره، لا یخضع لاستطاعة كثير من الناس، فإنّ في سلوك هذا المسير صعوبات لا یستطیعها إلّا الشذوذ من الناس فلیکتف سائر الناس بمَا اسْتَطَعوا.
فالمهم أن يقع الجميع في سلوك مسیر التقوى علی أنّهم في درجات متفاوتة حسب ما عندهم من الفهم والهمة؛ فبعض یتقي اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ و بعض آخر مَا اسْتَطَاع!
ثم إن أقلّ مراتب التقوی الاجتناب عن محارم الله تعالى، والقيام بما أوجبه عليهم من التكاليف الشرعية.
و أعلی منها الاجتناب من المحلّلات الشرعية إلّا بقدر الضرورة. وهذا ما أشار إليه سيّد العارفين علي أمير المؤمنين (عليه السلام)
«أنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طُعمه بقُرصيه»
ثم قال:
«ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفّة وسداد»[5]
و للتوفيق من الله وتأييده وتسديده دور عظیم في هذا السلوك.
ونظم ابن المعتز:
خــل الذنـــوب صـــغيرها وكـــبيرها ذاك التـقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما یری
لا تحـــقرن صغيرة إن الجبــــــال من الحـــصى
المصادر
[1] . النساء:131
[2]. آل عمران: 102.
[3].التغابن: 16.
[4]. الميزان في تفسير القرآن، ج 3 ص 367. بتصرّف.
[5] . نهج البلاغة، الكتاب رقم: 45.