أذان مبتكَر

إن الإسلام دين شامل وكامل فله مسائل وقضايا عديدة تَغير بعضها عبر التاريخ لأسباب مختلفة وردت في الكتب التاريخية و الكلامية. ثم هذه التغييرات أحدثت اختلافات كثيرة بين المذاهب الإسلامية.

نظرًا إلى أن التغييرات في القواعد الإسلامية بلا سبب ودليل لا قيمة لها وتكون بدعة وممنوعة، يجب الفحص عن سبب التغييرات التي تم إجراؤها في الأذان السني بشكل دقيق و مدلل.

بعد استشهاد الرسول الكريم صلى الله عليه و آله وسلم، طرأ على الأذان تغييرات حدث معظمها في عهد الخليفه الثاني عمر بن الخطاب.

خلافا للمذهب الشيعي الحق الذي يؤمن بأن الآذان نزل على النبي صلى الله عليه و آله وسلم وهو وحي[1], تبعا للنبي صلى الله عليه و آله وسلم وأهل البيت عليه السلام ، اعتقد اهل السنة في الأذان والإقامة بقولين على ما في الروايات المستخلصة من كتبهم, أحدهما يدل على أن الآذان وحي والآخر يدل على أنه غير وحي.

الخبر الذي يدل على أن الأذان وحي من الله هو ما روي عن عبدالله بن عمر حيث عرج بالنبي صلى الله عليه و آله وسلم أوحي الله اليه الأذان ثم النبي ص علمه بلال.[2]

وأما ما يدل على أنه غير وحي: ... اهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلَاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا، فَقِيلَ لَهُ: انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، ... قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ، فَقَالَ: «هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى» فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُرِيَ الْأَذَانَ فِي مَنَامِهِ، قَالَ: فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَبَيْنَ نَائِمٍ وَيَقْظَانَ، إِذْ أَتَانِي آتٍ فَأَرَانِي الْأَذَانَ... فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بِلَالُ، قُمْ فَانْظُرْ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، فَافْعَلْهُ» قَالَ: فَأَذَّنَ بِلَال.[3]

لكن بعد استشهاد النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، طرأت تغيرات على الأذان، في عهد خليفته الثاني.

منها: الصلاة خير من النوم.

هذا البند من بدع عمر بن الخطاب ولم يكن من الأذان في زمن النبي صلى الله عليه و آله وسلم كما اعترف به شيوخ السنة مثل ابن حزم ومالك بن أنس وغيرهما:

روى مالک بن انس: اِن المؤذن جاء الي عُمَرَ بنَ الْخَطّابَ یُؤذنه لِصَلاة الصّبح، فَوَجَدَهُ نائِماً فَقالَ: الصَّلاةُ خَیرٌ مِنَ النَّومِ فَامَرَهُ عُمَرُ أن یجعَلَها فی نِداء الصّبح.[4]

قال ابن حزم: «الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ وَلا نَقُولُ بِهَذَا أَيْضًا؛ لأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي اللَّه عليه وسلم.[5]

ومنها: حذف «حَيّ عَلي خَيرِ العَمَل» من الأذان:

وقد صرح كثير من علماء السنة على أن الخليفة الثاني حذف هذه الجملة من الأذان، وهناك روايات كثيرة في كتب السنة تبين أن أصحاب النبي كانوا يقولون هذه الجملة في الأذان:

قال في اضواء البيان:

وَمِمَّا جَاءَ فِيهَا عِنْدَهُمْ أَثَرٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ بِهَا أَحْيَانًا وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ.

قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: دفاعا عن الْجُمْهُورُ الذي يدعي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ, إنَّ أَحَادِيثَ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (حَيّ عَلي خَيرِ العَمَل).

قَالُوا: وَإِذَا صَحَّ مَا رُوِيَ أَنَّهُ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِأَحَادِيثِ الْأَذَانِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِيهَا.

قم قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: وَقَدْ أَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثًا فِي نَسْخِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ مِنْ طَرِيقٍ لَا يَثْبُتُ النَّسْخُ بِمِثْلِهِ.[6]

السؤال المهم في ضوء ما سبق هو لماذا حذف عمر بن الخطاب هذا البند من الأذان الذي وضعه الله ؟ وهل هو إلا بدعة منكرة؟!

المصادر

[1] . وسائل الشیعه، ج4، ص612.

[2] . فتح الباری، ج2، ص63.

[3] . سنن ابی داود، ج۱،  ص ۱۳۴.

[4] . الموطّا، ج1، ص72.

[5] . المحلي، ج3، ص161.

[6] . اضواء البيان، ج8، ص 156.