حفظوا حروف القرآن وغيروا حدوده

إن ما يلفت انتباهنا هنا هو ما نشاهده في بعض الأحيان من أن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله حتى في الحالات التي يُعتقد ابتداءً أنها أمور واضحة ، لكنه يشرح ذلك ويفسره. مع ذلك ترانا نتفاجأ عندما نرى أن خطوط السياسة والرواسب الجاهلية تحاول توضيح وتثبيت نفس ما شرحه رسول الله صلى الله عليه وآله  لكن على طريقتها الغادرة. وكأنها تنظر إلى الغيب من خلف ستار شفاف. ولكن بما أن هذه المحاولة اليائسة كادت أن تؤدي إلى حذف نص من القرآن أو المبالغة فيه أو تحريفه ، فقد تم منعها تقريبًا ولم تتحقق أهدافهم.

هؤلاء قد حاولوا في سبيل تحقيق أهدافهم الشريرة وبدلا من تحريف كلمات القران ، أن يشوهوا معاني القرآن. وقد أشار الإمام باقر عليه السلام في كتاباته لسعد الخير الى هذا المعنى. حيث يقول: (أقاموا حروفه و حرفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه والجهال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية) (1)

لقد حفظوا حروف القرآن وكلماته ، وغيّروا حدوده وأحكامه ، انهم رووا القرآن دون أن يلتزموا بحدوده. هنا يستغرب الجاهل أنهم حفظوا رواية القرآن ، ويحزن العالم أنهم تخلوا عن حدوده.

وهذا بالضبط ما حدث مع آية التطهير. فقد نزلت الآيةٌ في أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وهم ثقل الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل. على الرغم من التأكيدات الكثيرة والمتتالية للنبي صلى الله عليه وآله والتي استمرت عدة أشهر وربما حتى وفاته ، كان يبين المراد من "أهل البيت" في آية التطهير وهم فقط أهل الكساء وبالاستناد الى هذه الآية المباركة فهم مبرؤون من كل ذنب. ونجد غضبا جنونيّا يهدف إلى صرف هذه القضية عن موقعها الصحيح وإثارة الشكوك حول معنى الآية الكريمة ، حتى لو كان على حساب إنكار أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله ورفض كلامه.! لكن بذكاء وشطارة.

وقد تعددت الروايات التي تؤكد أن المراد من "أهل البيت" في آية التطهير هم "أصحاب الكساء". فقد نقل هذه الروايات علماء الحديث من المذاهب المختلفة ، فاذا كان أهل السنة وأئمة الشيعة متفقون على صحة الروايات التي تبين المراد من اهل البيت ومع ذلك يتم رفضها، عند ذلك لم تبق في السنة رواية إلا وقد رُفضتْ. (2)

___________

1. فروع الكافى، ج‏8، ص‏53

2. ونزول آية التطهير في فضل " أصحاب الكساء " في بيت أم سلمة، مما أجمعت عليه الأمة الإسلامية، وروي متواترا عن أئمة أهل البيت، وكثير من الصحابة، وهذا أنموذج من مصادره: الحافظ الكبير، الحنفي المعروف بالحاكم الحسكاني في " شواهد التنزيل، ج 2 ص 10. إلى 192 بعدة أسانيد، والحافظ جلال الدين السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 198 بطرق، وكذا الطحاوي في مشكل الآثار ج 1 ص 332 إلى 238، والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ج 9 ص 121 و 146 و 169 و 172 وأحمد بن حنبل في مسنده ج 1 ص 230 ج 4 ص 107، وابن حجر في الصواعق ص 85، والطبري في تفسيره ج 22 ص 5 و 6 و 7، وابن الأثير في أسد الغابة ج 4 ص 29، والنسائي في خصائصه ص 4.