دعوة السیدة الزهراء علی ابي بکر وعمر

مسالة دعوة السیدة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه و آله علی ابي بکر و عمر من المباحث الهامة التي صارت محل النقاش، فهل توجد روایة صحیحة في مصادر اهل السنة أن الزهراء سلام الله عليها تدعوا علی عمر و ابي بکر في قنوت صلاتها؟

ذکر ابن قتيبة (م276هـ)  قضیة السقيفة في كتاب الامامة و السياسة معنونة ب«ذكر السقيفة و ما جرى فيها من القول» فقال: وحدثنا ابن عفير عن أبي عون عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قبض اجتمعت الأنصار رضي الله عنهم إلى سعد بن عبادة... إلى أن قال أن عمر قال لأبی بكر:

انطلق بنا إلى فاطمة فأنا قد أغضبناها فانطلقا جميعا فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام فتكلم أبو بكر فقال ... أفتراني أعرفك و أعرف فضلك و شرفك و أمنعك حقك و ميراثك من رسول الله إلا أني سمعت أباك رسول الله يقول (لا نورث ما تركنا فهو صدقة) فقالت أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله تعرفانه و تفعلان به قالا نعم.

فقالت نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول (رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني و من أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني) قالا نعم سمعناه من رسول الله قالت فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني و لئن لقيت النبي لأشكونكما إليه.

فقال أبو بكر أنا عائذ بالله تعالى من سخطه و سخطك يا فاطمة ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق و هي تقول و الله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها ثم خرج باكيا فاجتمع إليه الناس فقال لهم يبيت كل رجل منكم معانقا حليلته مسرورا بأهله و تركتموني و ما أنا فيه لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي.[1]

و روى البلاذري (م279هـ) عن موسي بن عقبة...عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ : دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ حِينَ بُويِعَ. فَقَالَتْ: إِنَّ أُمَّ أَيْمَنَ وَ رَبَاحًا يَشْهَدَانِ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ أَعْطَانِي فَدَكَ . فَقَالَ : ...إِنَّ هَذَا الْمَالَ إِنَّمَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَحَمَّلَ مِنْهُ أَبُوكِ الرَّاجِلَ وَيُنْفِقُهُ فِي السَّبِيلِ، فَأَنَا إِلَيْهِ بِمَا وَلِيَهُ أَبُوكِ، قَالَتْ: وَ اللَّهِ لا أُكَلِّمُكَ قَالَ: وَ اللَّهِ لا أَهْجُرُكِ. قَالَتْ: وَ اللَّهِ لأَدْعُوَنَّ اللَّهَ عَلَيْكَ...[2]

فثبت من خلال ما ذُكر إقرار ابي بكر و عمر بعد غصبهما فدكاً انهما أغضبا السیدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها فحضرا عندها لیعتذرا وثبتَ أن السیدة الزهراء سلام الله عليها لم ترض عنهما و لم تعف عنهما، لأنها حولت وجهها إلى الحائط و قالت: و الله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها.

وحسب هذه الروايات، اعلنت السیدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله دعوتها علیهما مرتین: بعد غصب فدك حسب رواية ابن قتيبة و عندما طالبت السیدة الزهراء سلام الله عليها بفدك حسب رواية البلاذري.

ثم إن السیدة الزهراء سلام الله عليها، أوصت بأن تدفن لیلا کراهةً من حضور ابي بكر لتشييع جنازتها و الصلاة علیها.

روى الجوهري بسنده عن هشام بن محمد، عن أبيه قال: أنها قالت: و الله لا كلمتك أبدا... و الله لأدعون الله عليك،... فلما حضرتها الوفاة أوصت ألا يصلي عليها، فدفنت ليلاً، و صلى عليها عباس بن عبد المطلب.[3]

فظهر أن دعوة السیدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله نقلت في ثلاث روايات و بطرق مختلفة، و حسب رأي علماء اهل السنة الرواية المنقولة عن طرق ثلاث فهي مستفيضة و الرواية المستفيضة حجة.

قال السبکي في تعريف الخبر المستفيض: ...و عبارة صاحب التنبيه: و أقل ما تثبت به الاستفاضة اثنان. و المختار عندنا: أن المستفيض ما يعده الناس شائعا، و قد صدر عن أصل، ليخرج ما شاع - لا عن أصل – و ربما حصلت الاستفاضة باثنين.[4]

قال ابن تيمية: لو ان للرواية طرقاً عدیدة فهذا یوجب ان یقوي بعضها بعضا و قد یحصل العلم بها و لو کان الناقلون من الفجار .[5]

المصادر

[1] . الإمامة و السياسة،  ج 1 ص 31، الناشر: دار الأضواء .

[2] . أنساب الأشراف، ج1، ص 79، تحقيق: سهيل زكار ورياض الزركلي. الناشر: دار الفكر – بيروت. الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1996 م.

[3] . الجوهري، أبي بكر أحمد بن عبد العزيز (المتوفي323هـ)، السقيفة وفدك، ص 104، تحقيق: تقديم وجمع وتحقيق: الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني، الناشر : شركة الكتبي للطباعة والنشر - بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1401 ه‍ - 1980م / الطبعة الثانية 1413 ه‍ . 1993م.

[4] . السبكي، تاج الدين أبي النصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي (المتوفی646هـ)، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، ج 2، ص 308، تحقيق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود، دار النشر: عالم الكتب - لبنان / بيروت - 1999م - 1419هـ الطبعة: الأولى

[5] . ابن تيمية الحراني الحنبلي، ابوالعباس أحمد عبد الحليم (المتوفى 728 هـ)، كتب ورسائل و فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية، ج 18، ص26، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي، الناشر: مكتبة ابن تيمية، الطبعة: الثانية.