عيادة نساء المدينة لفاطمة الزهراء (5)

09:57 - 2022/01/09

-تقدم في الفقرات السابقة الاسباب والدواعي لتنحية الامام علي عليه السلام عن منصب الخلافة.

عيادة نساء المدينة لفاطمة الزهراء (5)

إن الامور لو كانت تسير على ما يرام وكانت الخلافة بيد صاحبها الاصلي لا بيد الدخلاء، لتحقق مضمون الاية في قوله تعالى ﴿‌وَلَوۡ ‌أَنَّ ‌أَهۡلَ ‌ٱلۡقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن كَذَّبُواْ﴾ (1) وهذا ما تشير اليه السيدة عليها السلام بقولها:

(والله لو تكافوّا عن ذمام نبذه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليه لاعتلقه) شبهت السيدة فاطمة (عليها السلام) المجتمع الإِسلامي أو الأمة الإسلامية بالقافلة، وشبّهت الخلافة والقيادة الإِسلامية بالزمام وهو المقود، أي الحبل الذي يقاد به البعير، وشبّهت علياً (عليه السلام) بالدليل الذي يتقدم القافلة، ويأخذ بزمام البعير ليقود المسيرة.

ولم تنس السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام أن تقول: (نبذه رسول الله إليه) أي إن القيادة الإِسلامية إنما صارت لعلي عليه السلام بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين قام في الناس رافعاً صوته: (من كنت مولاه فعلي مولاه).

وبعد هذا تقسم بالله قائلة: (والله) فالمسألة مهمة وعظيمة جدّاً جدّاً وتستحق أن يقسم الإِنسان بالله لأجلها.

(لو تكافّوا) أي كفّوا أيديهم، أي منع بعضهم بعضاً، بحيث لو أراد أحدهم تناوله منعه الآخرون (لاعتلقه) أي اعتلق علي عليه السلام الزمام، أي قام بالواجب كما ينبغي وقاد المسيرة على أحسن ما يتصور، وأفضل ما يرام.

ثم وصفت (عليها السلام) نتائج تلك القيادة الرشيدة لو كان يفسح لها المجال، وذكرت الفوائد والمنافع والخيرات والبركات التي كانت تعمّ الأمة الإِسلامية على مرّ القرون والأجيال فقالت:

(ثم لسارَ بِهم سيراً سجحاً) أي سار القائد بالمسيرة سيراً ليناً سهلاً، بكل هدوء وطمأنينة، فإن البعير إذا سار بالراكب سيراً عنيفاً فلا بدَّ وأن الراكب يتأذى من الحركة العنيفة، وتتحطم أعصابه لما في ذلك من الإزعاج والقلق.

ثم البعير نفسه يتألم حينما يجاذبه الراكب الحبل الذي قد دخل في ثقب أنفه وربما يجرح أنفه أيضاً، فيتأذى الراكب والمركوب، ولكن السيدة فاطمة تقول:

(لا يكلم خشاشه، ولا يتعتع راكبه) وفي نسخة: (ولا يكل سائره ولا يمل راكبه) أي الحبل أو الخشب الذي جعل في أنف البعير ويقال له (الخشاش) لا يجرح أنف البعير، ولا ينزعج راكب البعير، والمقصود: سلامة الراكب عن كل مشقة حال السير.

(ولأوردهم منهلاً نميراً فضفاضاً) وفي نسخة: (منهلاً روياً) إن الدليل الذي يتقدم القافلة لا بد وأن ينزل بهم منزلاً حسناً، ومكاناً لائقاً للراحة، على شاطئ نهرٍ أو عين ماء، ليأخذوا حاجتهم من الماء، ويسقوا دوابهم وغير ذلك.

تقول السيدة فاطمة (عليها السلام): كان علي (عليه السلام) يقود المسيرة إلى منهل نمير والمنهل: المورد أي محل ورود الإِبل، والنمير: العذب، النابع من عين لا ينقطع ماؤها. والفضفاض: الواسع.

(تطفح ضفتاه، ولا يترنق جانباه) النهر إذا كان ممتلئ يفيض جانباه وإذا كان عذباً لا يتكدر جانباه بالطين كما هو المشاهد من تكدر الماء بالطين على جوانب النهر، بل وحتى البحر.

فالكثرة والسعة في المجرى والعذوبة والنظافة وعدم التلوث بالطين وغيره من صفات ذلك الماء.

وكلها إشارات وكنايات إلى الحياة السعيدة التي كان الناس يعيشونها لو كان الأمر بيد الإِمام أمير المؤمنين عليه السلام، فالخيرات كانت تشمل أهل الأرض والعدل يسود المجتمع والسلامة كانت تعمّ الجميع، والرفاهية والاستقرار والطمأنينة والأمان والحرية (بمعناها المعقول) والسعادة في الدنيا، والنعيم في الآخرة كان من نصيب الجميع.

(ولأصدرهم بطاناً) وكانت نتيجة ذلك الورود هو الصدور من المنهل، والخروج من ذلك المورد بالبشع والارتواء، فلا جوع ولا حرمان، ولا فقر ولا مسكنة.

(ونصح لهم سراً وإعلاناً) النصح: حُب الخير، وعدم الغش، والمعنى: أن علياً كان يسعى في إسعادهم وجلب الخير لهم بصورة سرية وعلنية، أي ما كان يطلب من وراء تلك القيادة إلاَّ الخير للناس لا لنفسه.

(ولم يكن يحلَّى من الغنى بطائل، ولا يحظى من الدنيا بنائل، غير ريّ الناهل وشبعة الكافل) وهنا تذكر السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) موقف زوجها من تلك القيادة والزعامة العامة.

_________________

(1). الأعراف: 96

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
4 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.