عيادة نساء المدينة لفاطمة الزهراء (7)

12:02 - 2022/01/11

- اتضح للجميع موقف الصحابة المحزن تجاه الزهراء بضعة رسول الله (صلى الله عليهما) وتجاه زوجها أمير المؤمنين عليه السلام

عيادة نساء المدينة لفاطمة الزهراء (7)

إن الإسلام والقيادة الإسلامية وصلت إلى يد علي عليه السلام وهي مفككة العرى محطمة الجوانب، مشوهة السمعة.

ولما أراد الإِمام علي عليه السلام أن يصلح تلك المفاسد، وأن يعيد الإِسلام إلى طريقه السوي ويلبسه حلّة القداسة والجمال، وإذا به يجد أصحاب المطامع يقومون ضدّه، ويشهرون سيوفهم في وجهه، فتكوّنت الحروب الداخلية وقامت المجازر على قدم وساق.

نحن لا زلنا في شرح الخطبة:

(ولبان لهم الزاهد من الراغب) إن السيدة فاطمة (عليها السلام) لا تزال توالي حديثها عن زوجها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وإنه لو كان يستلم القيادة كان يقنع من الدنيا بالشيء اليسير، وذلك بمقدار إرواء عطشه وإشباع عائلته، وعند ذلك كان يظهر للناس الزاهد الحقيقي الذي لا يطمع في أموال الناس، ويظهر الراغب الذي كان يخضم مال الله خضم الإِبل نبتة الربيع وأمثاله.

(والصادق من الكاذب) وظهر لهم الصادق الذي يصدق في أقواله وأفعاله من الكاذب الذي يكذب في ادعاءاته وتصرفاته.

ثم إنها (عليها السلام) ختمت هذه المقطوعة من حديثها بالآية الكريمة، وطبّقتها على هذه الأمة، فقالت: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذَّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)[1]. ما أنسب هذه الآية بهذا المقام وما أجمل هذا التشبيه في هذا الكلام؟

وتقصد السيدة فاطمة أن الناس لو كانوا يقبلون كلام الرسول (صلى الله عليه وآله) في تعيين علي بالخلافة وكانوا ينقادون له لكانت الدنيا لهم روحاً وريحاناً وجنة نعيم، ولكنهم خالفوه واختاروا غيره، وبعملهم هذا كذَّبوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) تكذيباً عملياً، فسوف يشاهدون الويلات تنصبُّ عليهم، وأردفت هذه الآية بمثلها، فقالت: (والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين)[2].

(ألا هلم واستمع وما عشت أراك الدهر عجباً) أي كلما عشتَ أو مدة عيشك في الدنيا رأيت العجائب التي لا بالبال ولا بالخاطر.

(وإن تعجب فعجب قولهم)[3] اقتبست السيدة فاطمة (عليها السلام) هذه الجملة من الآية وأدمجتها في حديثها، والمقصود أن الناس يتعجبون من بعض الأمور وليست بعجيبة، ولا تستحق التعجب، وهناك أمور وقضايا عجيبة ينبغي أن يتعجب منها، لأنها أمور لا تنسجم مع الشرع ولا مع العقل ولا الوجدان ولا الضمير، ولا تدخل تحت أي مقياس من المقاييس الصحيحة والأمر العجيب هو ما يلي:

(ليت شعري إلى أي سناد استندوا؟ وعلى أي عماد اعتمدوا؟ وبأية عروة تمسكوا؟ وعلى أية ذريّة أقدموا واحتنكوا؟) إن الناس كانوا يستندون على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وينقادون له، ويعتمدون على أقواله، ويطيعون أوامره، لأنه مرسل من عند الله، ومتصل بالعالم الأعلى، قد توفرت فيه الأهلية بجميع معنى الكلمة، فلا عجب في ذلك إذا خضع له الناس، وقدَّموه على كل شيء، ولكن العجب كل العجب أن بعض الناس بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) تنازلوا إلى مستوى نازل جداً فسلّموا القيادة إلى أفراد لا توجد فيهم المؤهلات.

فالذي كان يستند ويعتمد على الرسول (صلى الله عليه وآله) يتمسك به كيف تطيب نفسه أو يرضى ضميره أن يعترف بالقيادة الإسلامية لأفراد ليسوا في تلك المرتبة وتلك الدرجة.

تتعجب السيدة فاطمة (عليها السلام) ويتعجب معها عقلاء العالم وأصحاب الضمائر الحية والنفوس المعتدلة والقلوب السلمية من تلك الانتخابات المخالفة لجميع المقاييس والنواميس والموازين.

(وبأية عروة تمسكوا) لقد ثبت عند المسلمين كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنكم لن تضلوا ما أن تمسكتم بهما)[4] ومعنى الحديث أن الرسول أمر المسلمين أن يتمسكوا بالقرآن والعترة معاً، ولكن هؤلاء بأية عروة تمسكوا وتعلقوا واعتصموا.

(وعلى أية ذرية أقدموا واحتنكوا؟) أيعلم هؤلاء مَن هي فاطمة الزهراء؟ أيعلم هؤلاء ما منزلة هذه الذرية الطاهرة الشريفة الذين هم أشرف أسرة على وجه الأرض؟ أيعلم هؤلاء ما صنعوا اتجاه أهل البيت؟ الذين أمرهم الله بمودتهم بقوله: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى).

 

[1] - سورة الأعراف: آية 96.

[2] - سورة الزمر: آية 51.

[3] - سورة الرعد: 5

[4] - المعرفة والتاريخ - ت العمري - ط العراق (1/ 537)

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
3 + 11 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.