إنّ أثر التقوى يظهر في الحياة الدنيا کما يشمل الحياة الآخرة. وحصر الآثار بالحياة الآخرة تخالف ما يطرحه القرآن الكريم بوضوح.
إنّ أثر التقوى يظهر في الحياة الدنيا کما يشمل الحياة الآخرة. وحصر الآثار بالحياة الآخرة تخالف ما يطرحه القرآن الكريم بوضوح فإن القرآن لم يخصّص أثر التقوى على الإنسان في النشأة الآخرة بل عمّم أثرها لكلتا النشأتين قال الله تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ[1].
وقد أشار القرآن الكريم إلى جملة من الآثار التي تترتّب على التقوى في الحياة الدنيا:
منها: الحياة الطيّبة: قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ[2]. فحياة المؤمن ليست حياة طيّبة في الدار الآخرة فحسب، بل هي كذلك في هذه النشأة أيضاً. قال الطباطبائي في ظل هذه الآية: الإحياء: إلقاء الحياة في الشيء وإفاضتها عليه، فالجملة بلفظها دالّة على أنّ الله سبحانه يكرم المؤمن الذي يعمل صالحاً بحياة جديدة، غير ما يشاركه سائر الناس من الحياة العامّة.[3]
ومنها: الفرقان بين الحقّ والباطل: قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً[4].
قال الراغب في المفردات: «فرقت بين الشيئين فصلت بينهما، سواء كان ذلك بفصل يدركه البصر، أو بفصل تدركه البصيرة. والفرقان أبلغ من الفرق، لأنّه يستعمل في الفرق بين الحقّ والباطل»[5] وهو في الآية بقرينة السياق وتفريعه على التقوى الفرقانُ بين الحق والباطل، سواء أكان ذلك:
في الاعتقاد بالتفرقة بين الإيمان والكفر، وكلّ هدىً وضلال،
أو في العمل بالتمييزبين الطاعة والمعصية، وكلّ ما يرضي الله أو يسخطه،
أو في الرأي والنظر بالفصل بين الصواب والخطأ،
فإنّ جميع ذلك كلّه ممّا تثمره شجرة التقوى. وقد أطلق الفرقان في الآية ولم يقيّده بالآخرة أو الدنیا[6].
نظير هذه الآية قوله تعالى: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[7].
ومنها: الیسر والمخرج من المشاکل: و الآیات في هذا المعنی کثیرة. قال تعالى: وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً و قال: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى[8] وقال تعالى: وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً[9].
ومنها الرزق. وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[10].
إنّ الانسان قد يرى الرزق المادّي من نتائج سعيه، والأسباب الظاهرية التي كان يطمئن إليها، وهو غافل عمّا وراءه، لكن الله سبحانه محيط بالأسباب، وهو الناظم لها ينظمها كيف يشاء، ويأذن في تأثير ما لا علم له به من خباياها. هذا الرزق المادّي.
وأمّا الرزق المعنوي الذي هو حقيقة الرزق الذي تعيش به النفس الإنسانية وتبقى، فهو ممّا لم يمكن يحتسبه، ولا يحتسب طريق وروده عليه فهو سبحانه يتولّى أمره، ويخرجه من مهبط الهلاك، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ولا ینقص من كماله والنعم التي كان يرجو نيلها بسعيه شيئاً، لأنّه توكّلَ على الله «وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ».[11]
ومنها الأثر على ذرية الإنسان، حيث نجد في قصّة ذلك العبد الصالح مع النبي موسى (عليه السلام) أنّ القرآن يحدّثنا بقوله تعالى: وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ يَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً[12].
ففي الآية الكريمة دلالة واضحة على أنّ لصلاح الآباء و تقواهم آثارٌ طيّبة على سعادة أبناءهم.
عن إسحاق بن عمّار، قال: سمعت أبا عبدالله الصادق (عليه السلام) يقول: «إنّ الله ليُصلح بصلاح الرجل المؤمن وُلده ووُلد وُلدِه، ويحفظه في دُوَيْرته ودُويرات حوله، فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله» ثمّ ذكر الغلامين، فقال: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاًألم ترَ أنّ الله شكر صلاح أبويهما لهما»[13]
المصادر:
[1] . ص: 28.
[2] . النحل: 97.
[3] . الميزان في تفسير القرآن، ج 12 ص 341.
[4] . الأنفال: 29.
[5] . المفردات في غريب القرآن، الراغب الإصفهاني: مادة« فَرَق».
[6] . الميزان في تفسير القرآن، ج 9 ص 56.
[7] . العنكبوت: 69.
[8] . الليل: 7 5.
[9] . الطلاق: 4.
[10] . الطلاق: 2، 3.
[11] . التقوى فى القرآن، ص: 72.
[12] . الكهف: 82.
[13] . البرهان في تفسير القرآن، العلّامة المحدِّث السيّد هاشم البحراني، ج 5 ص 60 منشورات مؤسّسة الأعلمي، بيروت لبنان.