الصبر

يتناهى إلى مسامع وعقول المؤمنين الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تتحدث عن الصبر وفضله وأهميته في حياة المؤمن ودوره في اجتياز العصوبات وامتحانات الدنيا في مواطن كثيرة. يقول الله تعالى: { إنَّمَا يُوفّىَ الصَّابِرينَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب }.[١] .  حيث يبيّن المولى تعالى أنّ أجر الصابرين مفتوح ليس له حد معيّن وهذا دليل على عظم وأهمية ملكة الصبر. وعن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: " من ابتُلي من المؤمنين ببلاء فصَبَرَ عليه ، كان له مثل أجر ألف شهيد". [2]. 

إن الصبر أشرف الأخلاق الإنسانية كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: " فهو أحسن خلل الإيمان وأشرف خلائق الإنسان " [3] ، وإذا كان الصبر من أشرف الأخلاق الإنسانية فإن معنى ذلك أن الذي يتحلى به هو من أشرف الناس وأعظمهم أخلاقا ، وهذا ما نراه جليا في امتحان الأنبياء عليه السلام فإن إحدى البليات التي يتعرض لها الأنبياء لكي ينالوا مقام الإمامة الإلهية تتطلب الصبر الشديد بحيث لا يستطيع المؤمن العادي تحمله فهذا نبينا إبراهيم عليه السلام قد صبر على طاعة الله عز وجل بعد أن أمره بذبح ولده فكاد أن يذبحه لولا الفداء العظيم من الله بعد أن أظهر عليه السلام صبرا على أداء التكليف الإلهي فأعطاه الله مقام الإمامة الإلهية ، { وجَعَلْنَا مِنْهُم أَئِمَّةً يَهْدُون بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا }. [4]. وتعليقا على الآية يقول صاحب تفسير الأمثل : " لقد ذكرت الآية هنا شرطين للإمامة: أحدهما: الإيمان واليقين بآيات الله عز وجل، والثاني: الصبر والاستقامة والصمود. وهذا الأمر ليس مختصا ببني إسرائيل، بل هو درس لكل الأمم، ولجميع مسلمي الأمس واليوم والغد بأن يحكموا أسس يقينهم، ولا يخافوا من المشاكل التي تعترضهم في طريق التوحيد، وأن يتحلوا بالصبر والمقاومة ليكونوا أئمة الخلق وقادة الأمم ومرشديها في تاريخ العالم... لأن مسألة القيادة لا تخلو لحظة من المشكلات، ويواجه شخص القائد وإمام الناس مشكلة جديدة في كل خطوة، ويجب أن يهب لمواجهتها مستعينا بقوة اليقين والاستقامة المستمرة، ويديم خط الهداية إلى الله سبحانه.[5].

والصبر أنواع کما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "الصبر ثلاثة: الصبر على المصيبة، والصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية ". [6]. فالصبر على الطاعة: كالصبر على أداء الواجبات، والصبر على المعصية: كالصبر المحرمات، والصبر على المصيبة: کالصبر على الابتلاءات . وأفضل مراتب الصبر هو الصبر عن المعاصي وهذا ما نلاحظه من خلال الدرجة التي يمنحها الله عز وجل إلى الصابرين، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الصبر ثلاثة: صبر على المصيبة، وصبر على الطاعة وصبر على المعصية، فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش، ومن صبر على المعصية كتب الله له تسعمائة درجة مابين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش". [7].

وقد ذكر صاحب السعادات آن أهل الصبر على ثلاثة مقامات:

- الأول : ترك الشكوى، وهذه درجة التائبين.

- والثاني الرضا بالمقدر، وهذه درجة الزاهدين.

- الثالث :المحبة لما يصنع به مولاه، وهذه درجة الصّديقين[8].

ویجب أن نشير في الختام إلى أن الصبر لایحصل إلا باستحضارأمور منها:

1. الشوق إلى الجنة

2. الخوف من النار

3. الزهد في الدنيا

4. تذكّر الموت.

یقول أمير البلاغة والبيان عن الصبر: 

فإِن تسألني كيف أنتَ فإِنني .. صَبُورٌ على رَيْبِ الزمانِ صَعيبُ

حريصٌ على أن لا يُرى بي كآبة .. فيشمتَ عادٍ أو يساءَ حبيبُ

اصبرْ قليلاً فبعد العُسْرِ تيسيرُ .. وكُلُّ أمرٍ له وَقْتٌ وتدبيرُ

وللمهيمنِ في حالاتِنا نظرٌ .. وفوقَ تقديرِنا للهِ تقديرُ

_____________

المصادر:

[1]. سورة الزمر ، الآية 10.

[2]. الكليني، الكافي، ج 2، ص 120، ح 1699.

[3]. ميزان الحكمة ، ح10019.

[4]. سورة السجدة ، الآية24.

[5].الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ، ج ١٣، ص ١٣٩.

[6]. بحار الأنوار، ج‏57 ، ص‏43.

[7]. بحار الأنوار، ج‏86، ص‏77.

[8]. جامع السعادات، ج 2، ص 441.