الجهاد الأكبر أو جهاد النفس

09:49 - 2022/02/21

-الإنسان كائن من أكثر المخلوقات حيرة وتعقيداً.. كائن امتاز عن بقية الكائنات بفطرته وشخصيته المعنوية، فضلاً عن الغرائز الطبيعية والحيوانية والأحاسيس والمشاعر. إنه كائن مفكر وذو إرادة، يسخّر عقله وجهده للبحث عن حلول للمعضلات التي تعترض طريقه من أجل حياة أفضل. وبموازاة بحثه وسعيه في هذا الطريق، يشيد تاريخه ويثري معارفه التي ورثها عمن سبقوه، ويمهد الطريق للأجيال القادمة لاكتشاف المجهولات بنحو أفضل وأوسع.

الجهاد الأكبر أو جهاد النفس

في ظل سعي الإنسان للسيطرة على الطبيعة، كثيراً ما يتم إهمال جوهر الشخصية الإنسانية، وتجاهل تزكيتها وتهذيبها.. الإنسان الذي نعته بارئ الوجود بأشرف المخلوقات. وقد ورد في معرفة الإنسان ذاته قول علي عليه السلام: "من عرف نفسه فقد عرف ربه".[1]

أجل، إن تجاهل الأبعاد غير المتناهية للروح الإنسانية، وإهمال الفضائل الأخلاقية؛ من الأمراض التي ابتليت بها معظم المجتمعات البشرية. وقد ضاعفت سيادة التكنولوجيا وسيطرة الماديين وعبدة الدنيا على حيز كبير من هذا العالم ـ من جهة ـ وعجز المذاهب والمدارس الفكرية عن تقديم نهج واضح وتفسير مطمئن عن حقيقة الإنسان وغايته ـ من جهة أخرى ـ ضاعفت من مسيرة التقهقر هذه و الابتعاد عن الذات والاغتراب عنها.

وفي هذا الشأن كان الأنبياء ودعاة التوحيد ، وحدهم الذين جعلوا من تربية الإنسان هدفاً لجهادهم ، وأخذوا بناصية المجتمع الإنساني ـ بما ينسجم مع نور العقل ونداء الفطرة ـ على طريق الكمالات والقيم المتعالية. وإن ما خلده تاريخ الإنسان من مفاخر وقيم سامية ، هو في الحقيقة كان ثمرة من ثمار هذه المجاهدات والتضحيات.

ولم تكن الثورة الإسلامية التي فجرها في عصرنا الحاضر رجل من رجالات الله، أمام حيرة ودهشة أنظار العالم.. لم تكن مجرد حركة سياسية أو انتفاضة شعبية انطلقت لإسقاط نظام متجبر ظالم؛ بل مثلث قبل ذلك انبعاثاً ثقافياً وأخلاقياً دعا الإنسان المعاصر المحبَط للعثور على فطرته الإلهية.

يقول مؤسس الجمهورية الإسلامية في وصيته الخالدة، عن ماهية الثورة  التي فجرها: "إن تحمل الأتعاب والمشاق يتناسب مع مقدار عظمة الهدف وقيمته. وإن الذي نهضتم أنتم أيها الشعب النبيل المجاهد من أجله، هو أعلى وأسمى وأثمن هدف ومقصد. إنه المدرسة الإلهية بمعناها الواسع، وعقيدة التوحيد بأبعادها السامية. إنه أساس الخلق وغايته في كل آفاق الوجود، وفي مراتب ودرجات الغيب والشهود. وإن كل مساعي الأنبياء العظام والأولياء الكرام ـ سلام الله عليهم ـ انصبت على تحقيق هذا الهدف، وبدونه لا يتيسر السبيل إلى الكمال المطلق ولا إلى الجلال والجمال اللامتناهيين. ..".

في منطق الإمام الخميني، لا يعد النضال وتسلم مقاليد الحكم هدفاً بحد ذاته، بل أن تخرج من ساحة الصراع منتصراً، وقد قال عز من قائل: {قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها}[2]. فالهدف تربية الإنسان وهدايته في مسيرته من عالم التراب إلى عالم الملكوت الأعلى.. الهدف يتمثل في تشكيل المجتمع وإعداد بيئة لا يعبد فيها غير الله تعالى، ومثل هذا لا يتيسر إلا بتزكية النفس، الشيء الذي يجهله حكام الشرق والغرب، ويتعطش إليه عالم اليوم المنهك.

إن عظمة إنجاز الإمام الخميني وسر تأثير كلامه في نفوس أتباعه، يكمنان في هذه الحقيقة. إنه لمن العبث أن يحاول البعض من خلال تحليلاتهم المادية البحث عن العوامل الاقتصادية والسياسية، للتعرف على السر الكامن وراء شعار "انتصار الدم على السيف"، ونجاح أنصار الإمام في إلحاق الهزيمة بأكثر الأنظمة العميلة لأميركا تسلحاً وتكديساً للسلاح. كذلك يعجز عن إدراك ماهية الثورة الإسلامية أولئك الذين لم يطلعوا ولم يتعرفوا على نجاحات الإمام في تجربة أساليب الجهاد مع النفس ومضمار "الجهاد الأكبر" الشاق والمضني.

المصادر:

[1] - شرح غررالحکم و دررالکلم، عبدالواحد بن محمد التمیمي، ص 232

[2] - سورة الشمس آية 10

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
13 + 5 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.