كل من وقف أمام الشخصية الفذة التي خلقها الله تعالى كأفخر وأروع شخصية في الحياة ثم تأمل في سيرة هذه الشخصية، انبهر بها أيّما انبهار .
إن شخصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله) هي اللوحة الجميلة الجليلة التي رسم فيها كل سمو ، وكل جمال تأخذ بمجامع قلوب الناظرين إليها ، سواء كان الناظر مسلماً أو غير مسلم .. وسواء كان ممن يدرك معنى الجمال والكمال ، أولا يفهم ذلك ، فإن هذه اللوحة الباهرة تبلغ من الظهور والوضوح مبلغاً لايدع فرداً نظر إليها إلاّ وجذبته نحوها جذباً .
لقد احتج الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعجز الإنسان عن التعبير الكامل عن أخلاق النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، احتج لذلك احتجاجاً لطيفاً بأن الله تعالى يقول في كتابه : { وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَآ }[1] في حين يقول في آية أخرى : { فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الأَخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ }[2] فالحياة الدنيا مع أنها قليلة عند الله ، فإنها لايمكن الإحاطة بها . واحصاء ما فيها .. فكيف بأخلاق النبي صلى الله عليه وآله الذي يقول فيه الله تعالى : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }[3] حيث عبّر عنه بالعظيم .. فإذا لم يكن إحصاء القليل ممكناً فكيف يمكن إحصاء العظيم .
كان النبي - أشجع ، وأحلم ، وأعدل ، وأعف ، وأسخى الناس جميعاً ، وكان لايبيت عنده دينار ولا درهم .[4]
وكان أزهد الناس ، وأبسطهم في العيش ، حيث كان يخصف النعل ويرقع الثوب ، ويخدم في البيت مع سائر أهل بيته .[5]
وكان أشد الناس حياءً ، فلا يثبت بصره في وجه أحد أبداً .
وكان أسمح الناس وأسهلهم . وكان يجيب دعوة الحر والعبد ، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ، ويكافئ عليها أحسن مكافأة . وكان لايستكبر عن اجابة أَمَةٍ أو مسكين .
وكان يغضب لله ولا يبغض لنفسه ؛ ويُجري حكم الله وإن تضرَّر هو أو أحد من أصحابه به . فقد أشار عليه أصحابه ذات مرة بأن ينتصر على أعدائه المشركين بسائر المشركين ، فأبى قائلا : انّا لا نستنصر بمشرك مع أنه كان أحوج ما يكون إلى ذلك .
وكان يربط الحجر على بطنه من الجوع . فإذا حضر الأكل . أكل ما وجد ولم يردّ شيئاً .. وكان متواضعاً في أكله ، فلا يأكل متوكئا ، ولا على خو ان . ويؤاكل المساكين ويجالس الفقراء ، ويكرم أهل الفضل ، ولا يجفو أحداً .
أما في شؤونه الإجتماعية ، فكان يعود المريض كائناً من كان وكيف كان ، ويشيّع الجنائز ، ويمشي وحده ولا يتخذ حاشية أبداً . ويركب ما حضر إن فرساً ، أو بغلة ، أو حماراً ، إن حافياً أو ناعلاً ، مع الرداء حيناً ، وحيناً بلا رداء وبلا عمامة ولا قلنسوة . ولكنه كان يسير بمظهر القوة لا الضعف .
وكان يحب الطِّيب حبّاً جمّاً .. وكان له عبيد وإماء ، ولكن لم يكن يترفع عليهم أبداً . وكان لا يمضي عليه وقت ليس في طاعة الله .
وكان يبدأ مَن لقيه بالسلام ، ومن قام معه في حاجة سايَرَه حتى يكون هو المنصرف . وكان إذا لقي أحداً من أصحابه بدأه بالمصافحة ، ثم أخذ يده وشابكه ثم قبض عليها .
المصادر:
[1] - اِبراهيم، الآية 34
[2] - التوبة، الآية 38
[3] - القَلَم، الآية 4
[4] - أخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني (1/ 71)
[5] - الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفا (ص419)