لم يقتصر الأمر في المنع عن الحديث رواية وكتابة على زمان أبي بكر وعمر ، فإن الذين جاؤوا بعدهما من خلفاء بني أمية ، ابتداءً من عثمان ، ثم معاوية ، فمن تلاه من الخلفاء ، قد اتبعوا نفس الطريقة ، وساروا على نفس النهج ، في المنع عن الحديث.
لقد سار بنوا امية على سيرة الماضين في منع كتابة الحديث و تدوينه والتحدث به إلا حديثاً كان على عهد عمر[1]. حتى أصبحت كتابة الحديث عيباً عند الناس ، كما عن أبي المليح [2].
بل لقد رووا عن ابن الحنفية أنه قال : « إياكم وهذه الأحاديث ، فإنها عيب عليكم ، وعليكم بكتاب الله إلخ . . »[3].
ولكن ورغم توصية ابن الحنفية الآنفة بكتاب الله وقبل وفوق ذلك وصايا النبي « صلى الله عليه وآله » والوصي « عليه السلام » به أيضاً ، ورغم أن النبي « صلى الله عليه وآله » كان يُعلِّم أصحابه الآيات من القرآن ، ويوقفهم على ما فيها من علم وعمل ، وما فيها من حلال وحرام ، وما ينبغي أن يقف عنده[4] . ثم ما روي عنه « صلى الله عليه وآله» من أنه قال : تعلموا القرآن ، والتمسوا غرائبه . وغرائبه فرائضه ، وفرائضه حدوده ، وحدوده حلال وحرام ، ومحكم ومتشابه الخ . . [5].
وما روي عن عمر أنه قال حين وفاة النبي « صلى الله عليه وآله» : حسبنا كتاب الله[6] - ثم مبادرته حين توليه الخلافة إلى المنع من تدوين الحديث وروايته ، ووالخ . .
نعم . . رغم ذلك كله ، فإننا لا نجد لدى رواد هذه السياسة كبير اهتمام بالقرآن ، وتعليمه ، وتفسيره للناس ، بل نجد عكس ذلك تماماً ، فإن عمر بن الخطاب نفسه كان يمنع الناس من السؤال عن معاني القرآن ، ويضرب ويعاقب من يسأل عن شيء منه ، وما فعله بصبيغ حيث ضربه ماءة ثم مئة حتى اضطربت الدماء في ظهره وفي رأسه ، ومنع الناس من الكلام معه ، ومن مجالسته ، فمكث حولاً على ذلك حتى أصابه الجهد ، ولم يزل وضيعاً في قومه حتى هلك ، وكان سيد قومه [7].
وقد بقي ابن عباس سنة كاملة أو سنتين لا يجرؤ على سؤال عمر عن آية في كتاب الله[8] ، رغم ما كان له من المكانة عنده .
المصادر:
[1] - الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 قسم 1 ص 206 و ج 2 ص 336 ومسند أحمد ج 4 ص 99
[2] - التراتيب الإدارية ج 2 ص 249.
[3] - طبقات ابن سعد ج 5 ص 70.
[4] - التراتيب الإدارية ج 2 ص 279 عن أحمد ، وطبقات ابن سعد والطبراني في الأوسط
[5] - التراتيب الإدارية ج 2 ص 279 عن الجامع الكبير عن الديلمي .
[6] - الملل والنحل ، ج1، ص 21، و الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية ، ج2 ، ص 733
[7] - تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 146 - 148 وراجع : كشف الأستار عن مسند البزار ج 3 ص 70 ومجمع الزوائد ج 8 ص 113 وحياة الصحابة ج 3 ص 258 و 259
[8] - البخاري ط سنة 1309 ه . ج 3 ص 133 في موضعين والتراتيب الإدارية ج 2 ص 377