-حين نرى أن فقه أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وغيرهم تضيق عنه المجلدات الكثيرة ، مع ما نراه من استنادهم إلى المئات والألوف من الروايات التي توصف بالوضع، فما يستندون إليه ، ويعتمدون عليه في غير الفقه ، فذلك حدّث عنه ولا حرج ؛ وهو يصل إلى الألوف الكثيرة ، كما يظهر من تتبع مختلف المواضع والمواقع .
إنهم في حين يعترفون بأنهم قد وضعوا أحاديث في فضائل أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، رداً على من ينتقص منهم.[1]
ويعترفون أيضاً : بأنه عندما كثر سب الصحابة ( وهو أمر لم يحصل ، وما حصل هو مجرد التعريف ببعض ما ارتكبه أشخاص منهم ، تحبهم الهيئة الحاكمة ، أو ممن كانوا أحد أركانها ، رداً على الغلو الحاصل فيهم ، حتى لتعتبر أقوالهم سنة ، وما إلى ذلك ) فقد وضعت أحاديث في فضل الصحابة جميعاً ، أو في فضل جمع منهم.[2]
إنهم مع أنهم يعترفون بهذا ، لكنهم يتهمون بعض الشيعة بوضع أحاديث في فضل علي ، والطعن في معاوية.[3]
مع أن علياً في غنى عن ذلك ، ولا يمكن لأحد أن يضع أكثر مما قاله رسول الله « صلى الله عليه وآله » في حقه ، مما ثبت بالآثار الصحيحة والمتواترة ، والتي تفوق حد الإحصاء . كما أنه يكفي معاوية التعريف بما ثبتت روايته عن رسول الله « صلى الله عليه وآله » في حقه مما لا يجهله أحد ، حتى إن النسائي قد نال شرف الشهادة حينما أظهر حديثاً واحداً منها،[4] فكيف لو أراد إظهار كل ما يعرفه ، مما رواه عن رسول الله « صلى الله عليه وآله » في حقه ؟ !
وقد كان العراق موطناً لعلي « عليه السلام » مدة خلافته ، وقد ناصر العراقيون علياً ، ورأوا ورووا بعض فضائله « عليه السلام » . وقاتلوا الناكثين والمارقين والقاسطين معه ، فعاداهم الناس ، واتهموهم بالكذب والوضع لأجل ذلك ، وفرضوا عليهم حصاراً ثقافياً وإعلامياً .
ولعل أول من بادر إلى اتهامهم بذلك هو أم المؤمنين عائشة[5] التي لقيت على أيديهم في حرب الجمل شر هزيمة. واتهمهم بذلك أيضاً عبد الله بن عمرو بن العاص الذي لقي منهم الأمرين في حرب صفين.[6]وكذلك الزهري[7] الذي كان له وجاهة ومكانة خاصة في البلاط الأموي.
أما مالك ، الذي لم يرو عن أحد من الكوفيين ، سوى عبد الله بن إدريس ، الذي كان على مذهبه ، فقد رأى : أن أحاديث أهل العراق ، تنزل منزلة أحاديث أهل الكتاب ، أي فلا تصدق ولا تكذب.[8] وكان يقول : لم يرو أولونا عن أوليهم ، كذلك لا يروي آخرونا عن آخريهم.[9]
وقد كانت هذه السياسة سياسة أموية وشامية ، ضد علي « عليه السلام » ، منطلقها التعصب والتجني ، وليس تحري الحق ، والتزام جانبه . وقد قالوا عن الجوزجاني : إنه في كتابه في الرجال « يتشدد في جرح الكوفيين من أصحاب علي ، من أجل المذهب » ، لذلك قال ابن حجر : « لا عبرة بحطه على الكوفيين ».[10]
المصادر:
[1] - اللآلي المصنوعة ج 1 ص 286 و 315 - 316 و 417
[2] - المصدر: ج 1 ص 428
[3] - المصدر: ج 1 ص 323
[4] - الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ج 1 ص 121
[5] - بحوث في تاريخ السنة المشرفة ص 24 وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج 1 ص 70.
[6] - الطبقات الكبرى لابن سعد ط صادر ج 4 ص 267.
[7] - تهذيب تاريخ دمشق ج 1 ص 70
[8] - بحوث في تاريخ السنة المشرفة ص 25
[9] المصدر: ص 25
[10] - تهذيب التهذيب ج 1 ص 93 و ج 5 ص 46 و ج 10 ص 158 .