-قبل كل شيء ، يجب التذكير بأن بين النبوة والإمامة ، والنبي والإمام ، فرقاً ، فيما يرتبط بترتيب الأحكام الظاهرية على من يؤمن بذلك وينكر ، ومن يتيقن ويشك ، ومن يحب ويبغض .
من المسلّمات، أن أدنى شك أو شبهة في الرسول « صلى الله عليه وآله » يوجب الكفر والخروج من الدين ، كما أن بغض الرسول « صلى الله عليه وآله » بأي مرتبة كان ، يخرج الإنسان من الإسلام واقعاً ، ويلحقه بالكفر ، وتترتب عليه أحكامه في مرحلة الظاهر ، فيحكم عليه بالنجاسة ، وبأنه لا يرث من المسلم ، وبأن زوجته تبين منه ، وتعتد ، وبغير ذلك . .
وأما الإمامة والإمام « عليه السلام » ، فإن الحكمة ، والرحمة الإلهية ، وحب الله تعالى للناس ، ورفقه بهم ، قد اقتضى : أن لا تترتب الأحكام الظاهرية على من أنكر الإمامة ، أو شك فيها ، أو في الإمام « عليه السلام » ، أو قصر في حبه . . ولكن بشرطين . .
أحدهما : أن يكون ذلك الإنكار ، أو الشك ، ناشئاً عن شبهة ، إذ مع اليقين بثبوت النص وفي دلالته ، يكون المنكر أو الشاك مكذباً لرسول الله « صلى الله عليه وآله » ، راداً على الله سبحانه ، ومن كان كذلك فهو كافر جزماً . . الثاني : أن لا يكون معلناً ببغض الإمام ، ناصباً العداء له ، لأن الناصب حكمه حكم الكافر أيضاً.
وبعد هذه المقدمة نقول : لا ريب في أن قيام الإسلام وحفظه يحتاج إلى جهاد وتضحيات ، وأن في الجهاد قتلاً ويتماً ، ومصائب ومصاعب ، ولم يكن يمكن لرسول الله « صلى الله عليه وآله » أن يتولى بنفسه كسر شوكة الشرك ، وقتل فراعنته وصناديده .
فقضت الرحمة الإلهية أن يتولى مناجزتهم من هو كنفس الرسول « صلى الله عليه وآله » ، الذي يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، ألا وهو أمير المؤمنين « عليه السلام » .
إن ولادته « عليه السلام » ، في الكعبة المشرفة ، أمر صنعه الله تعالى له ، لأنه يريد أن تكون هذه الولادة رحمة للأمة ، وسبباً من أسباب هدايتها . . وهي ليست أمراً صنعه الإمام علي « عليه السلام » لنفسه ، ولا هي مما سعى إليه الآخرون ، ليمكن اتهامهم بأنهم يدبرون لأمر قد لا يكون لهم الحق به ، أو اتهامهم بالسعي لتأييد مفهوم اعتقادي ، أو لواقع سياسي ، أو الانتصار لجهة أو لفريق بعينه ، في صراع ديني ، أو اجتماعي ، أو غيره . .
ويلاحظ : أن الله تعالى قد شق جدار الكعبة لوالدته « عليه السلام » حين دخلت ، وحين خرجت ، بعد أن وضعته في جوف الكعبة الشريفة . . وقد جرى هذا الصنع الإلهي له « عليه السلام » حيث كان لا يزال في طور الخلق والنشوء في هذا العالم الجديد . . ليدل دلالة واضحة على اصطفائه تعالى له ، وعنايته به . . وذلك من شأنه أن يجعل أمر الاهتداء إلى نور ولايته أيسر ، ويكون الإنسان في إمامته أبصر . . ويتأكد هذا الأمر بالنسبة لأولئك الذين سوف تترك لمسات ذباب سيفه « ذي الفقار » آثارها في أعناق المستكبرين والطغاة من إخوانهم ، وآبائهم ، وعشائرهم ، أو من لهم بهم صلة أو رابطة من أي نوع . .