-لقد وصفوا علياً « عليه السلام » بأوصاف تكاد تكون متباينة فيما بينها ، وفيها ما ظاهره المدح ، ويقصد به القدح .
قالوا في رواية عن جابر وابن الحنفية : « كان علي رجلاً دحداحاً ، ربع القامة ،[1] أزج الحاجبين ، أدعج العينين، أصلع ، الى غيرذلك من الصفات.
فجمعوا بين الوصفين المتناقضين ، « دحداحاً ، ربع القامة » مع أن الدحداح هو : القصير السمين . والربعة : الوسيط القامة ، الذي ليس بالطويل ولا بالقصير.[2]
والذي يبدو هو : أن ثمة عقدة كانت تدفع مناوئي علي « عليه السلام » إلى نسبة هذه الأمور إلى أعدى أعدائهم ، فإن أسيادهم وكبراءهم كانوا يعانون من صفة القصر والدمامة. والصلع ، وحماشة الساقين ونتوء الجبهة ، وقصر القامة وغير ذلك.
فبالنسبة للقصر والدمامة : كان أبو سفيان قصيراً ودميماً.[3]
وأمية كان قصيراً .[4] وعمرو بن العاص كان قصيراً أيضاً. و هو الذي زعم أنه « عليه السلام » كان آدم شديد الأدمة ، وإنما أراد به السواد . ولا نتوقع من عمرو وأمثاله إلا التحامل على علي « عليه السلام » ، والسعي إلى إعطاء صورة بشعة له في جميع أحواله .
والأغرب من ذلك : أنهم حاولوا أن يرموا علياً أمير المؤمنين « عليه السلام » بالحمق من طرف خفي . . وذلك بأسلوبين :
ألف : أنهم زعموا : أن عقيلاً « رحمه الله » دخل على علي أمير المؤمنين « عليه السلام » ومعه كبش ، فقال علي « عليه السلام » : إن أحد الثلاثة أحمق . فقال عقيل : أما أنا وكبشي فلا .[5]
مع أننا لا نرى مبرراً لإضافة علي « عليه السلام » نفسه إليه ، وإلى كبشه ، ولا نرى أن عقيلاً ممن يسيء الأدب مع إمامه ، وقائده
وقد وجدنا أن رواة هذه الأباطيل هم من الشانئين لعلي « عليه السلام » ، والمنحرفين عنه ، من أمثال : الزبير بن بكار ، وعمه مصعب الزبيري ، وداود بن أبي هند . . وهؤلاء لا يذكرون لنا من روى لهم هذه الرواية ! !
ب : إنهم يصفون علياً « عليه السلام » بصفات الحمقى ، من أمثال طول اللحية تارة ، وكثرة شعر البدن أخرى . . فمن ذلك قولهم : « إن لحيته « عليه السلام » عظيمة وطويلة » . فإن من الواضح : أن طول لحية الرجل من دلائل حمقه . . قال ابن الجوزي : « من العلامات التي لا تخطئ : طول اللحية ، فإن صاحبها لا يخلو من الحمق » . وذكروا أقوالاً تصرح بذلك ، نسبوها لبعض الحكماء ، وللتوراة ، وإلى الأحنف بن قيس ، وابن سيرين ، وابن إدريس ، وغيرهم.[6]
وقال بعض الشعراء : إذا عرضت للفتى لحية * وطالت فصارت إلى سرته فنقصان عقل الفتى عندنا * بمقدار ما زاد من لحيته [7]
المصادر:
[1] - مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج 3 ص 91
[2] - أقرب الموارد ج 1 ص 384 والمعجم الوسيط ص 325 .
[3] - بحار الأنوار ج 33 ص 201 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 1 ص 336
[4] - تاريخ مدينة دمشق ج 9 ص 221
[5] - تاريخ مدينة دمشق ج 41 ص 20 والمصنف لابن أبي شيبة ج 7 ص 247
[6] - أخبار الحمقى والمغفلين ( نشر مكتبة العزالي ) ص 29 و 30 .
[7] - أخبار الحمقى والمغفلين ص 30