-إن الامانة في النقل التي ينبغي للراوي والكاتب مراعاتها، لم تراعَ عند كثير من السلف والخلف.
لقد ذكر الطبري في تاريخه عند قوله تعالى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)[1] حديث الانذار و ما جرى فيه، ومن ضمن ما نقله قوله صلى الله عليه وآله: يا بني عبد المطلب ، إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به ، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة . وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه ؛ فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ، ووصي ، وخليفتي فيكم ؟ ! قال : فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقال علي : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي . ثم قال : إن هذا أخي ، ووصي ، وخليفتي فيكم ؛ فاسمعوا له وأطيعوا .[2]
إلا أنّ الطبري نفسه ذكر هذا الحديث على النحو المتقدم ، لكنه اختزل النص في تفسيره جامع البيان، فإنه بعد أن ذكره حرفياً متناً وسنداً غيَّر فيه عبارة واحدة فقال : « فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ، وكذا . . وكذا . . » . إلى أن قال : « ثم قال : إن هذا أخي ، وكذا وكذا » .
فاستبدل كلمة : « ووصيي وخليفتي فيكم » بكلمة : « وكذا . . وكذا ».[3]
كما أن ابن كثير الذي ينقل عادة نصوص الطبري من تاريخه، لكنه عدل في خصوص هذا المورد إلى تفسير الطبري ، وأخذ هذا النص منه ، واكتفى بكلمة كذا . . وكذا . . عن النص الحقيقي الصادر عن رسول الله « صلى الله عليه وآله ».[4]
وقد جرى الخلف على خطى السلف ، ولكن بصورة أبشع وأشنع ، فإن محمد حسين هيكل ذكر هذا الحديث أيضاً في كتابه حياة محمد ( الطبعة الأولى ) ص 104 وفق نص الطبري في تاريخه . لكنه في الطبعة الثانية لكتابه هذا نفسه ، المطبوع سنة 1354 ه - . ذكر هذا الحديث عينه في ص 139 ، إلا أنه حذف كلمة : « وخليفتي فيكم » واقتصر على قوله : « ويكون أخي ووصيي » . وذلك لقاء خمس مئة جنيه مصري ، أو لقاء شراء ألف نسخة من كتابه[5] كما قيل .
المصادر:
[1] - الآية 214 من سورة الشعراء .
[2] - تاريخ الأمم والملوك ج 2 ص 63 ومختصر تاريخ أبي الفداء ( ط دار الفكر - بيروت ) ج 2 ص 14 وشواهد التنزيل ج 1 ص 372 و 421
[3] - جامع البيان ج 19 ص 75
[4] - تفسير القرآن العظيم ج 3 ص 351 والبداية والنهاية ج 3 ص 40 و ( ط دار إحياء التراث العربي ) ج 3 ص 53 والسيرة النبوية لابن كثير ج 1 ص 459 .
[5] - فلسفة التوحيد والولاية للشيخ محمد جواد مغنية ص 179 و 132 وسيرة المصطفى ص 131 و 130 .