-تظهر حقيقة ايمان الإنسان عند الشدائد، فكم من مدعٍ للإيمان وهو خال منه، وهذا ما ظهر وتحقق في حرب أحد.
حين انهزم الناس عن النبي في أُحد غضب « صلى الله عليه وآله »، ونظر إلى جنبه ، فإذا علي ؛ فقال : ما لك لم تلحق ببني أبيك ؟ ! فقال « عليه السلام » : يا رسول الله ، أكفر بعد إيمان ؟ ! إن لي بك أسوة.[1]
فما زال علي عليه السلام يضرب كتائب المشركين بالسيف وهو راجل، فقال جبريل « عليه السلام » : يا محمد ، إن هذه المواساة ، فقال « صلى الله عليه وآله » : وما يمنعه ، وهو مني وأنا منه ؟ ! فقال جبريل : وأنا منكما.[2]
برز علي « عليه السلام » إلي حامل لواء المشركين فقتله . فسر رسول الله « صلى الله عليه وآله » بذلك ، وكبر تكبيراً عالياً .
إن هذا التكبير منه ربما ليلفت نظر المشركين والمسلمين على حد سواء إلى هذا الإنجاز الذي لا بد أن يفت في عضد المشركين ، ويكسر من حدة اندفاعهم ، ويقوي من عزيمة المؤمنين ، ويثبتهم ، ويثير لديهم الطموح بتحقيق إنجازات أكثر وأكبر ، ويعرف هؤلاء وأولئك أن مصير الحرب لا تحدده كثرة العدد ، ولا حسن العدة ، بل تحدد الإرادة والعزيمة والإيمان . .
إن قول النبي « صلى الله عليه وآله »: إنه مني وأنا منه ، قريب من قوله: حسين مني وأنا من حسين . أي أنهم نور واحد ، بعضهم من بعض .
أمير المؤمنين « عليه السلام » من شجرة النبي ، وسائر الناس من شجر شتى ، هذه الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء . وهو « عليه السلام » من طينة رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، لحمه لحمه ، ودمه دمه . وهو من النبي « صلى الله عليه وآله » سلوكاً ، وعقيدة ، ومبدأ ، ونضالاً ، وأدباً ، وخلوصاً ، وصفاء ، الخ . .
كما أن النبي « صلى الله عليه وآله » هو الذي صنع علياً ، وعلّمه ، وربّاه ، وأدّبه . ومن الجهة الأخرى ، فإن النبي « صلى الله عليه وآله » أيضاً من علي ، حيث إن الوجود الحقيقي للنبي الأكرم « صلى الله عليه وآله » إنما هو بوجود دينه ، ومبدئه ، وفكره ، وعقيدته ، وسلوكه ، ومواقفه ، ورسالته ؛ فهذا النبي بما له من صفة النبوة المتضمنة لحمل الرسالة هو من علي ، وعلي « عليه السلام » هو الذي سوف يبعثه من جديد من خلال إحيائه لمبادئه ، وفضائله ، وآدابه ، وعلومه ، وغير ذلك .
وهكذا كان ؛ فلولا علي « عليه السلام » لم يبق الإسلام ، ولا حفظ الدين . حتى إننا نجد أحدهم يصلي خلف علي « عليه السلام » مرة ؛ فيقول : إنه ذكّره بصلاة رسول الله « صلى الله عليه وآله ».[3] هذه الصلاة التي لم يبق منها إلا الأذان ، وحتى الأذان غيروه.[4]
ثم إنه « صلى الله عليه وآله » قدم قوله : ( إنه مني ) ، تماماً كما قدم قوله : « حسين مني » ، لأن صناعة النبي لهم سابقة على إحيائهم لدينه . فعقائد ، ونهج ، وفكر ، ونفسية ، ودين ، وخصائص ، وآداب النبي « صلى الله عليه وآله » ، لسوف يبعثها علي والحسين « عليهما السلام » ؛ وهكذا العكس . ومن هنا صح للنبي « صلى الله عليه وآله » أن يقول : أنا وأنت يا علي أبوا هذه الأمة.[5]
كما أنه ليس من البعيد أن يكون جبرئيل « عليه السلام » كان يستفيد ويتعلم من النبي « صلى الله عليه وآله » ومن علي « عليه السلام » ، ولأجل ذلك قال : وأنا منكما . وقد ناشدهم أمير المؤمنين بهذه القضية بالذات في الشورى[6] ، ليؤكد مغزاها العميق ، ومدلولها الهام .
___________
المصادر:
[1] - إعلام الورى ج 1 ص 177
[2] - تاريخ الأمم والملوك ج 2 ص 197
[3] - صحيح البخاري ( ط دار الفكر ) ج 1 ص 191 و 200
[4] - شرح الموطأ للزرقاني ج 1 ص 221
[5] - تفسير البرهان ج 1 ص 369
[6] - الخصال ج 2 ص 121 - 124