-إن الفرار من الزحف ليس من المفردات التي يكفر الناس بسببها ، وإن كان من عظائم الذنوب ، فما معنى قول رسول الله « صلى الله عليه وآله » لعلي « عليه السلام » حين فر المسلمون في أحد : ما لك لم تلحق بني أبيك ؟ !
فرّ المسلمون في حرب أحد وبقي النبي صلى الله عليه وآله و معه علي بن ابي طالب عليه السلام ، فوجّه رسول الله ذلك السؤال اليه ، فكان جوابه « عليه السلام » : يا رسول الله ، أكفر بعد إيمان ؟ ! إن لي بك أسوة .[1]
وعند المفيد : أنه « صلى الله عليه وآله » قال له : مالك لا تذهب مع القوم ؟ ! ... فقال له النبي « صلى الله عليه وآله » : أبشر يا علي ، فإن الله منجز وعده ، ولن ينالوا منا مثلها أبداً.[2]
والسؤال هو : هل صحيح أن الذين فروا عن رسول الله « صلى الله عليه وآله » لهم أحكام الكفر ؟ !
والجواب بما يلي :
1 - إن قوله « صلى الله عليه وآله » لعلي : لِمَ لا تلحق ببني أبيك ، يدل على مدى تغيظه من ذلك الفعل الشنيع الذي صدر منهم ! !
2 - إنه يريد أن يبين فضل علي « عليه السلام » على من سواه ، من حيث ثباته في الأهوال وإقتحامه المخاطر . ثم من حيث ما يملكه من وعي وإيمان ، ويقين وبصيرة في دينه ، وثبات على مبادئه . . وهذا الثبات ليس نتيجة شجاعة متهورة ، بل هو نتيجة فكر وقناعة ، واعتقاد ، ورؤية واضحة .
3 - إنه « صلى الله عليه وآله » حسب النص الذي ذكرناه أولاً لم يقل له : لم لا تلحق بإخوانك ، أو رفقائك ، أو نحو ذلك ، بل أشار إلى الجهة النسبية . . ليأتيه الجواب من علي « عليه السلام » : أن المعيار عنده ليس هو النسب ، والعشيرة ، والقوم ، وإنما هو الإيمان ، ومقتضياته ، ودواعيه ، ومسؤولياته . .
4 - إن الفرار من الزحف حين يكون مع الالتفات إلى وجود رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، وإلى أن هذا الفرار من شأنه أن يعرض حياة النبي « صلى الله عليه وآله » للخطر ، وهو يحمل معه الدلالة على عدم الاهتمام للدفع والدفاع عنه « صلى الله عليه وآله » ، فإنه يكون من موجبات الكفر ، والخروج من الدين . . وأما إن كان هذا الفرار بسبب الإندهاش الذي يفقد الإنسان القدرة على وعي الأمور، فلا يوجب الكفر بعد الإيمان.
من أجل ذلك نقول : إن الكثيرين من الذين فروا كانوا يعرفون أنهم يفرون عن رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، وقد أهمتهم أنفسهم ، ولم يهتموا له ، وذلك تفريط منهم به ، ومن دلائل ضعف إيمانهم ، وشدة تعلقهم بالدنيا . .
5 - واللافت هنا : أن عمر بن الخطاب قال للنبي « صلى الله عليه وآله » : يا رسول الله ، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي . فقال النبي « صلى الله عليه وآله » له : لا والذي نفسي بيده ، حتى أكون أحب إليك من نفسك . فقال عمر : فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي . فقال « صلى الله عليه وآله » : الآن يا عمر ؟ !.[3]
فقوله : الآن يا عمر ؟ ! قد جاء - فيما يظهر - على سبيل الاستفهام الإنكاري . . إذ لا يعقل أن يتحول في نفس اللحظة من النقيض إلى النقيض مما كان عليه .
_____________
المصادر:
[1] - إعلام الورى ج 1 ص 177.
[2] - أعيان الشيعة ج 1 ص 388 وكشف الغمة ج 1 ص 194 .
[3] - مسند أحمد ج 4 ص 233 و 336.