فادى سلمان الفارسي مولاه عثمان بن الاشهل و الذي كتب الكتاب بينهما هو النبي صلى الله عليه وآله بإملاء علي بن ابي طالب عليه السلام وكان من الشهود عليه وكان مضمون الكتابة غرس نخلٍ و دفع ذهب.
تذكر الروايات أنه « صلى الله عليه وآله » أدى فداء سلمان ، في اتجاهين :
أحدهما : في غرس النخل المطلوب في الفداء . فإن النبي « صلى الله عليه وآله » باشر غرس النوى بنفسه ، وكان علي « عليه السلام » يعينه . وكان « صلى الله عليه وآله » قد أمر سلمان بأن يُفَقِّرَ لها ، ولا يضع منها شيئاً ، حتى يكون النبي « صلى الله عليه وآله » هو الذي يضعها بيده ، فغرسها « صلى الله عليه وآله » ، فحملت من عامها.[1]
الثاني : تهيئة الذهب المطلوب ، فقد جاءه « صلى الله عليه وآله » بعض أصحابه بمثل البيضة من ذهب ، فدعى سلمان ، وأعطاه إياها ليفي بها مال الكتابة ، فأخذها فوزن منها أربعين أوقية ، فوفى بها مال كتابته ، وبقي منها مثل ما أعطاهم.[2]
قال المبرد : كان « صلى الله عليه وآله » أدى إلى بني قريظة مكاتبة سلمان ، فكان سلمان مولى رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، فقال علي بن أبي طالب « عليه السلام » : سلمان منا أهل البيت.[3]
نحن لا ننكر أن يكون علي « عليه السلام » قد قال هذه الكلمة ، ولكنه إنما قالها تبعاً لرسول الله « صلى الله عليه وآله » ، فإن الكل يعلم ، أن كلمة : « سلمان منا أهل البيت » هي من كلام النبي « صلى الله عليه وآله » ، جاءت رداً على عمر بن الخطاب ، حين دخل فوجد سلمان في المجلس ، فقال : من هذا العجمي المتصدر بين العرب ؟ ! فصعد « صلى الله عليه وآله » المنبر ، فخطب . . فكان مما قال : « سلمان منا أهل البيت ».[4]
فهل يريد المبرد أن يبعد رسول الله « صلى الله عليه وآله » عن أن يكون قد قال هذه الكلمة ؟ !
ثمّ إن النبي « صلى الله عليه وآله » أراد أن يغرس النوى بنفسه ، بمساعدة أمير المؤمنين « عليه السلام » ، ولم يسمح حتى لسلمان نفسه أن يتدخل في ذلك ، ولو في واحدة منها .
وهذا يُعد اهتماماً منه بسلمان ، وتكريماً له ، اضافة الى تضمين إظهار معجزة له « صلى الله عليه وآله » ، عضّدتها معجزة أخرى تلمّسها سلمان في الذهب الذي وزن منه أربعين أوقية[5] وبقي منه بقدر ما كان ، مع أنه كان بقدر البيضة . .
وقد لوحظ : أن رسول الله « صلى الله عليه وآله » قد حرص على إشراك علي « عليه السلام » في التحضير لظهور هذه الكرامة الإلهية . . دون كل أحد سواه ، في إشارة منه إلى موقع علي « عليه السلام » منه.
ولوحظ أيضاً : أنه « صلى الله عليه وآله » لم يبادر إلى صنع المعجزة في الذهب ، بأن يأخذ حجراً أو تراباً ، فيصير ذهباً ، ثم يعطيه إياه ، كما رأيناه في حالات أخرى ، إذ قد يحاول الأعداء اتهامه بالسحر ، إن هو قد فعل ذلك . .
بل طلب من سلمان أن ينتظر مجيء شيء إليه ، فلما جاءه الذهب أرسل هو إلى سلمان فحضر ، فأعطاه الذهب ، الذي أهدي إليه ، والذي لا يمكن ادعاء السحر ، أو التمويه فيه ، لأنه حقيقة ملموسة للآخرين معروفة لهم ، وقد تمثلت الكرامة والمعجزة بظهور البركة فيها . . وهذا أدعى للتصديق ، وأبعد عن التهمة .
____________
المصادر:
[1] - الثقات لابن حبان، ج 1 ، ص 256، و 257.
[2] - الطبقات الكبرى لابن سعد، ج 1 ، ص 185.
[3] - الكامل في الأدب، ج 4، ص 14.
[4] - بحار الأنوار، ج 22 ،ص 348.
[5] - الأوقية : وزن أربعين درهماً .