إن النبي « صلى الله عليه وآله » كان يقدم أهل بيته في الحروب - كما في غزوة بدر- ويعرضهم للأخطار لأكثر من سبب.
جاء جبرئيل الى النبي « صلى الله عليه وآله » يأمره والمسلمين بالمسير إلى بني قريظة ،فقدَّم رسول الله « صلى الله عليه وآله » علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة »[1].
وسبب اختياره « صلى الله عليه وآله » علياً « عليه السلام » لهذه المهمة واضح، لأنهم أولاً:
كان علي عليه السلام يزعجهم ولما سمعوا بحضوره طارت قلوبهم رعباً منه حين قدم إليهم ، لذا انبهروا بحضوره ، ونادى بعضهم : جاءكم قاتل عمرو.
وثانياً: أنه « صلى الله عليه وآله » يريد أن يحصر المشكلة ويحاصرها ، فهو يحصرها هنا وفي كل موطن في علي « عليه السلام » ، فهو الذي قتل صبراً عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث ، ومعاوية بن المغيرة ، وأبا عزة الجمحي ، وبني قريظة . .
وذلك لأنه كان يعلم : أن العرب لا تنسى ثاراتها بسهولة ، وهي تثأر من الغريم ، ومن كل من له صلة به ، ولم يكن يمكن إشاعة الثارات بين القبائل ، لأن ذلك سيؤدي إلى انفراط عقد المجتمع الإسلامي وتمزقه ، وتلاشي كل نبضات الحياة فيه ، ولم يكن غير علي قادراً على تحمل ذلك . . والتعامل معه بحكمة وروية . . فآثر حصر هذا الموضوع فيه « عليه السلام » ، وهكذا كان . .
فلما انتهت المعركة و جيء بالأسارى إلى المدينة حبسوا في دار من دور بني النجار ، ثم أمر بهم أن يخرجوا ، وتقدم إلى أمير المؤمنين أن يضرب أعناقهم وفيهم حيي بن أخطب وكعب بن أسد ، وهما - إذ ذاك - رئيسا القوم.
قال حيي بن أخطب حين أيقن بالموت: قتلة شريفة بيد شريف .
فقال له أمير المؤمنين « عليه السلام » : « إن خيار الناس يقتلون شرارهم ، وشرار الناس يقتلون خيارهم ، فالويل لمن قتله الأخيار الأشراف ، والسعادة لمن قتله الأرذال الكفار » . فقال : صدقت.
و نلاحظ هنا:
1 - اعتراف هذا اليهودي بشرف علي « عليه السلام » ، وبأن الشريف يقابله الشرير ، وهذه شهادة منه على نفسه بأنه من الأشرار ، وشهادة منه لعلي بأنه من الأشراف .
وإذا كان قد صدَّق بالمعادلة التي أوردها علي « عليه السلام » ، وهي أن الأشرار يقتلهم الأخيار ، فإنه يكون قد اعترف أيضاً بأن علياً « عليه السلام » من الأخيار . .
2 - لما جئ به لضرب عنقه قال : إنه لا بد من أمر الله ، كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل .
إن التجاءه إلى القدر والقضاء لتبرير ما يتعرض له هو وبنو قريظة ليس له ما يبرره ، إلا إرادة التبرير والتزوير للحقيقة . ومحاولة التنصل من المسؤولية ، بإلقاء اللوم على الله سبحانه ، الذي لم يأمره بأن يتآمر ، ولا رضي منه أن ينقض العهود والمواثيق ، ولا طلب منه ومن أصحابه أن يواجهوا النبي « صلى الله عليه وآله » بالحرب ، وهم يعرفون صدقه ، وصحة نبوته كما يعرفون أبناءهم ، ويجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل .
3- ذكرت بعض النصوص : أن علياً « عليه السلام » سأل الذي جاء بحيي : ما كان يقول وهو يقاد إلى الموت ؟ ! فقال : كان يقول : لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه * ولكنه من يَخذل الله يُخذل. .. الخ.[2]
فلا صحة لما ذكروا : أن جبل بن جوال الثعلبي هو الذي قالها.[3]
______
المصادر:
[1] - دلائل النبوة للبيهقي ج 4 ص 11 .
[2] - بحار الأنوار ج 20 ص 263
[3] - دلائل النبوة للبيهقي ج 4 ص 23 . وكذا في الإصابة ج 1 ص 222.