للمجتمع البشري أسباب تنتهي بهلاكه وانهياره وفي هذا المقال نقوم ببيان بعض هذه الأسباب.
الموت هو فقدان قوة الشيء ومن المفاهيم البديهية لدى البشر ولا يحتاج إلى مزيد من الأدلة والكلام ويحصل بتوقف ضربان القلب وغياب النفس وتوقف النشاط الكهربي للقلب والدماغ.
بعض الناس يتصور أن الموت يطرأ على الإنسان وكل ذي روح فحسب ولكن حقيقة الأمر أنّ الموت يطرأ على المجتمع أيضاً فكما أنّ للإنسان روحاً وقلباً وشرايين وسائر الأعضاء كذلك المجتمع بما هو مجتمع، له روح وقلب وشرايين تتوقف لعدة أسباب فيصبح المجتمع جثة بلا روح وهذا مما دل عليه القرآن الكريم وروايات أهل البيت عليهم السلام قال الله سبحانه وتعالى:«وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ»[1]
هناك عدة أسباب تسبب موت المجتمع واندثاره نذكر بعضها:
السبب الأول:«التنازع»
إنّ التنازع بين أفراد المجتمع إسلامياً كان أو غير أسلامي، يسبب الهلاك والفشل ولذا قال الله سبحانه وتعالى:«وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»[2] فعلى الناس أن يزرعوا بينهم الرحمة والرأفة والتسامح وليغفر القوي عند قدرته فعن النبي صلى الله عليه وآله:« لا تَزالُ اُمّتى بخیرٍ ما تحابُّوا و تهادوا...»[3]
السبب الثاني:«ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»
من الأسباب الرئيسية التي تسبب إبادة المجتمع وهلاكه هو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تبارك وتعالى:«وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»[4] فالفلاح وصلاح الأمر يحصل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله:« لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لَتَنْهُنَّ عَنِ اَلْمُنْكَرِ أَوْ لَيُسَلِّطَنَّ اَللَّهُ شِرَارَكُمْ عَلَى خِيَارِكُمْ فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ»[5] فمن البديهي أنّ أمور المجتمع إذا أصبحت في أيدي الأشرار، فذلك يسبب انهيار المجتمع وتحطيمه لأنّ الأشرار لا يقيمون للمبادئ الأخلاقية وزناً.
السبب الثالث:«البطر»
البطر كما جاء في التفسير هو الطغيان عند النعمة[6] حينما يفتح الله رحمته للناس ويمتعهم بالنعمة، تتغير حالتهم النفسية فيطغون وينكرون فضل الله ونعمه عليهم لذا يبتعدون عن المبادئ الصحيحة ابتعاداً يسبب غضب الرب فينتهي ذلك الى هلاكهم قال الله تعالى:«وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ»[7]
السبب الرابع:«ترك الجهاد أمام الأعداء»
حینما نقول الجهاد فنعني به أنواع الجهاد من الجهاد بالنفس والأموال والعلم وبكل شيء يحكّم بنيان المجتمع ومن بين كل المجتمعات البشرية، المجتمع الديني والإسلامي هو أكثر عرضة لعداء أعداء الله فمن هذا المنطلق، يجب على كل فرد من أفراد المجتمع أن يتهيّأ بكل ما يردع الأعداء ويجلسهم مكانهم قال الله تعالى:« وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ»[8] ففي هذه الآية حث مؤكد على التهيؤ بالسلاح أمام الأعداء وفي آية أخرى يمدح المؤمنين الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم بأنّهم الصادقون قال تعالى:« إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ»[9]
[1] - الأعراف، الآية ۳۴.
[2] - الأنفال، الآية ۴۶.
[3] - وسائل الشيعة، ج11، ص202
[4] - آل عمران، الآية 104.
[5] - بحار الأنوار، ج۹٠، ص۳۷۸
[6] - تفسير الميزان، ج۱۶، ص۶۱.
[7] - القصص، الآية 58.
[8] - الأنفال، الآية 60.
[9] - الحجرات، الآية 15.