حاصر المسلمون حصون خيبر، وكان أشدها حصن القموص وأكثرها رجالاً،ففتح الله هذا الحصن على يد علي أمير المؤمنين عليه السلام كما هو صريح كلمات المؤرخين ، وروايات المحدثين .
روى الشيخان وغيرهما أن رسول الله « صلى الله عليه وآله » أحيانا تأخذه الشقيقة ، فيمكث اليوم واليومين لا يخرج ، فلما نزل خيبر أخذته الشقيقة ، فلم يخرج إلى الناس ، فأرسل أبا بكر ، فأخذ راية رسول الله « صلى الله عليه وآله »[1]
فانصرف ولم يفتح له ، ثم أخذها عمر من الغد ، فخرج ورجع ، ولم يفتح له . وأصاب الناس يومئذٍ شدة جهد.[2]
ونحن لم نعرف حقيقة هذا الجهد إلا الهزيمة . والعودة إلى النبي « صلى الله عليه وآله » وهو يجبن أصحابه وهم يجبنونه .
وعند الطبري : فانكشف عمر وأصحابه ، فرجعوا إلى رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، يجبِّنه أصحابه ويجبِّنهم ، فقال رسول الله « صلى الله عليه وآله » : لأعطين الراية - اللواء - غداً رجلاً يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله . فلما كان من الغد تطاول لها أبو بكر ، وعمر . ..[3]
قال بريدة : فبتنا طيبةً أنفسنا أن يفتح غداً ، وبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها . فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله « صلى الله عليه وآله » كلهم يرجو أن يعطاها . قال أبو هريرة : قال عمر : فما أحببت الإمارة قط حتى كان يومئذ .[4]
وهنا يطرح سؤال:
هل كان إرسال أبي بكر لمهاجمة الحصن الخيبري ، لكي لا يدعي محبوه له الشجاعة النادرة ، لمجرد أنه قال لعمر : إن النبي « صلى الله عليه وآله » قد مات بعد أن كان عمر قد أنكر موته في غياب أبي بكر؟ أو لأنه كان مع النبي « صلى الله عليه وآله » في العريش ، أو نحو ذلك ؟
وقد ظهر من هزيمته ، وهزيمة صاحبه هنا ، بالإضافة إلى هزائمهما في قريظة ، وأحد ، وحنين ، وسواهما ، أن هذا هو طبعهما الحقيقي . . وأن توثبهما للراية حين أعطاها النبي « صلى الله عليه وآله » لعلي في خيبر لم يكن في محله ، بل كان توثباً لما يريدان أن يحصلا عليه من دون مخاطر . . ولربما يكون ادِّعاء هذا التوثب قد جاء متأخراً منهما ، ليستردا بعض ماء الوجه الذي فقداه بهزيمتهما في اليومين الأولين .
وعلى كل حال ، فإن هذين الرجلين كانا قد أثبتا بصورة عملية ، وبنحو قد تكرر ، وتقرر أنهما ليسا من السنخ الذي يفتح الله على يديه الحصون ، وتقر بقلع أبوابها العيون . . بل الذي يقوم بهذه المهمات الجسام ، هو من نزل فيه قوله تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ )[5] . ومن يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، ومن هو كرار غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه .
_______
المصادر:
[1] - مسند أحمد، ج 5، ص 358.
[2] - أسد الغابة، ج 4، ص 334.
[3] - تاريخ الأمم والملوك، ج 3، ص 30.
[4] - سبل الهدى والرشاد، ج 5، ص 124.
[5] - سورة البقرة، 207.