المؤمن يُداري

20:49 - 2022/06/01

المداراة هي خلق أولياء الله ومن مقوّمات النظام الإجتماعي.

المؤمن يُداري

قد مدح الله سبحانه وتعالى نبيّه الكريم محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) في القرآن وقال: «إِنَّكَ لَعَلى‌ خُلُقٍ عَظِيمٍ»[1] فهذا المدح جاء بعد ما قدّم هذا النبي العظيم تلك التضحيات والصفح وحسن الصحبة واحتمال الناس ومداراتهم وفي آية أخرى يخاطب الله نبيه « فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ...»[2]

وما أحوجنا اليوم إلى  المداراة مع اختلاف طبائع الناس واختلاف سلوكياتهم!

وقد وردت روايات كثيرة في هذا الموضوع ترسم لنا خارطة الرفق والمداراة مع الناس، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) فى قَولِهِ تَعالى«وَقولوا لِلنَّاسِ حُسنا»: «أى لِلنّاسِ كُلِّهِم مُؤمِنِهِم وَ مُخالِفِهِم ، أَمَّا المُؤمِنونَ فَيَبسُطُ لَهُم وَجهَهُ ، وَ أَمَّا المُخالِفونَ فَيُكَلِّمُهُم بِالمُداراةِ لاِجتِذابِهِم إِلَى الايمانِ ، فَإِنَّهُ بِأَيسَرَ مِن ذلِكَ يَكُفُّ شُرورَهُم عَن نَفسِهِ ، و عَن إخوانِهِ المُؤمِنينَ»[3] ما أعظم هذا البيان وما أجمله! فالبعض يتصور أنّ المداراة للمؤمنين أو لأقاربه فحسب ولكن الإمام يرشدنا الى المداراة حتى مع المخالفين فكم من هؤلاء المخالفين اهتدوا وسلكوا طريق الإيمان بسبب المداراة التي شاهدوها وتلقوها من أئمتنا وعلماءنا وبعض الصالحين. يُذكر أنّ شامياً رءآ الإمام الهمام الحسن بن علي(عليهما السلام) راكباً فجعل يلعنه و الحسن (عليه السلام) لا يرد فلما فرغ أقبل الحسن (عليه السلام) فسلم عليه وضحك فقال: أيها الشيخ أظنّك غريباً، ولعلك شبهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا، وكنت ضيفناً إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لان لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً فلما سمع الرجل كلامه، بكى ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي والآن أنت أحب خلق الله إلي وحول رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقدا لمحبتهم.[4]  

لاحظنا من خلال هذه الرواية أنّ الهداية الإلهية تحققت من بعد ما رأى الشخص مداراة الإمام له وصفحه عنه، هكذا كان أسلوب الأنبياء والأوصياء وبهذا استطاعوا أن يجتذبوا الناس نحو الإيمان.

أيضاً هناك روايات أخرى تبين أهمية المداراة وأنّها من صفات المؤمنين، فعن الإمام جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يقول:«اَلْمُؤْمِنُ يُدَارِي وَ لاَ يُمَارِي»[5] وفي رواية أخرى عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ :«مُدَارَاةُ اَلنَّاسِ نِصْفُ اَلْإِيمَانِ وَ اَلرِّفْقُ بِهِمْ نِصْفُ اَلْعَيْشِ»[6]

ما دمت حيّاً فدار الناس كلهم          فإنّما أنت في دار المدارة

وليعلم القارئ العزيز أنّ المداراة حسنة وممدوحة ما لم تخرج الإنسان عن طريق الحق أو تسبب له مذلّة قد نهت عنها الشريعة الإسلامية المقدسة كعدم قبول الظلم والوقوف أمام أعداء الله فالمداراة مع هؤلاء وهن للدين والمذهب.

المصادر:

[1] . القلم، الآية 4.

[2] . آل عمران، الآية 159.

[3] . مرآة العقول، ج9، ص5. 

[4] . بحار الأنوار، ج43، ص344.

[5] . بحار الأنوار، ج75، ص277.

[6] . الکافي، ج2، ص117.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
6 + 1 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.