سبل الفلاح

کل إنسان يتمنى أن يكون ناجحاً ولا يقبل الهزيمة، فدائماً يسعى لأن يكون هو الفرد الفائق في أموره، هذا النجاح أحياناً يعبر عنه بالفلاح، دنيوياً كان أو أخروياً يقول الراغب الإصفهاني، صاحب كتاب المفردات: «والفَلَاحُ: الظَّفَرُ وإدراك بغية، وذلك ضربان: دنيويّ وأخرويّ، فالدّنيويّ: الظّفر بالسّعادات التي تطيب بها حياة الدّنيا، وهو البقاء والغنى والعزّ وفَلَاحٌ أخرويّ، وذلك أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعزّ بلا ذلّ، وعلم بلا جهل»[1] فالله سبحانه وتعالی حینما خلق البشر، خلق له أسباب الفلاح والسعادة أیضاً.

ونحن في هذا المقال بصدد ذكر أسباب الفلاح من منظر القرآن وروايات أهل البيت (عليهم السلام). وقد ذكرت أسباب عديدة ولكن نذكر أهمها:

۱- الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبالنبي وما جاء به (صلى الله عليه وآله)، فقد قال جل وعلا:«قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ»[2] وفي آية أخرى تجعل الفلاح باتباع النبي (صلى الله عليه وآله) وما جاء به «... فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»[3] فالإيمان بأحدهما لايكفي، كما نرى أحياناً في مجتمعاتنا، فبعض الناس يعتقدون بالله ويتفوّهون بقول لا إله إلّا الله ولكنهم غير متبعين لأحكامه التي وصلت إلينا عبر خاتم النبيين وأهل بيته (عليهم السلام) وقد انتقدهم الله في كتابه: «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ»[4]

۲- التقوى، فقد جاء معناها على ألسنة الصالحين بأنّها العمل بالواجبات وترك المحرمات، وهذا يحتاج إلى صبر واستقامة وطلب العون من الله سبحانه وتعالى وقد أمرنا الله في كتابه: «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اصبِروا وَصابِروا وَرابِطوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ»[5]

۳- التزكية، فبها تصفو وتطهر النفس وتبتعد عن المبادئ الشيطانية وتتنوّر بالأنوار الرحمانية فيسمو الإنسان في سماء الإنسانية ثم يتزين بالخلق النبيل فيصل إلى الفيض الإلهي العظيم  حتي يكون من المفلحين وقد قال عنهم الله تبارك وتعالى: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىٰ»[6]

أقبل على النفس واستكمل فضائلها               فأنـت بالنفس لا بالجسم إنسـان

۴- قبول ولاية (أهل البيت عليهم السلام) وإطاعتهم والسير على نهجهم فهم أدلّاء على صراطه فبعلي وأولاده المعصومين يهتدي المهتدون، قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ...»[7] يقول الراوي : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،عَنْ قَوْلِهِ: أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ،قَالَ:«عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)وَ الْأَوْصِيَاءُ مِنْ بَعْدِهِ»[8]. وقد ذکرت أدلة قویة في اثبات ذلك. فلا فلاح ولافوز من دون اتباع أهل البیت (علیهم السلام) فعَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ غَيّرُوا سُنّةَ رَسُولِ اللّهِ ص وَ عَدَلُوا عَنْ وَصِيّهِ لَا يَتَخَوّفُونَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمُ الْعَذَابُ ثُمّ تَلَا هَذِهِ الْ‏آيَةَ أَ لَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنّمَ ثُمّ قَالَ نَحْنُ النّعْمَةُ الّتِي أَنْعَمَ اللّهُ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ وَ بِنَا يَفُوزُ مَنْ فَازَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[9]ثم هناك روایة عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ) قَالَ: «مَنْ دَعَا اَللَّهَ بِنَا أَفْلَحَ، وَ مَنْ دَعَاهُ بِغَيْرِنَا هَلَكَ وَ اِسْتَهْلَكَ»[10].

فسبل الفلاح والوصول إلى السعادة الأبدية أمام البشر ولا تخفى على أحد «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ».[11]

المصادر:

[1] . المفردات في غريب القرآن، ص۶۴۴.

[2] . المؤمنون، الآية۱.

[3] . الأعراف، الآية ۱۵۷.

[4] . البقرة، الآية 85.

[5] . آل عمران، الآية۲٠٠.

[6] . الأعلى، الآية ۱۴.

[7] . النساء، الآية ۵۹.

[8] . البرهان في تفسير القرآن، ج۲، ص۱۱۴.

[9] . اصول كافى، ج1، ص315. 

[10] . الأمالي للطوسي، ج۱، ص۱۷۲.

[11] . فصلت، الآية۴۶.