کونوا أحراراً

22:31 - 2022/06/18

خلق الله البشر حرّاً ولكن الإنسان يقيد نفسه بقيود تسلب منه الحرية، فنحن في هذا المقال نذكر بعض الأسباب التي تسلب الحرية من الإنسان.

الحرية

إنّ الله سبحانه وتعالى خلق  الإنسان حرّاً فلا تختلف الحرية ولاتتفاوت في الأفراد ولا يقبل أحد أن يكون عبداً لغيره

يقول أميرالمؤمنين علي(عليه لسلام): «أيُّها الناسُ ، إنّ آدمَ لَم يَلِدْ عَبدا و لا أمَةً ، و إنّ النّاسَ كلَّهُم أحْرارٌ»[1]ولكن الإنسان لعدة أسباب يفتقد الحرية التي بها كرامته فبالتالي إمّا أن يُسترقّ وإمّا أن يَسترقّ نفسه بسبب أعماله وقد حذّر عن هذا مولانا أميرالمؤمنين (عليه لسلام) بقوله: «لا تَكُنْ عَبدَ غَيرِكَ و قَد جَعلَكَ اللّهُ حُرّا، و ما خَيرُ خَيرٍ لا يُنالُ إلاّ بِشَرٍّ ، و يُسرٍ لا يُنالُ إلاّ بعُسْـرٍ»[2] هذا، وقد ذكرت أهمية الحرية في بعض الروايات فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: «خَمْسُ خِصَالٍ مَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهَا فَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ مُسْتَمْتَعٍ‌ أَوَّلُهَا الْوَفَاءُ وَ الثَّانِيَةُ التَّدْبِيرُ وَ الثَّالِثَةُ الْحَيَاءُ وَ الرَّابِعَةُ حُسْنُ الْخُلُقِ وَ الْخَامِسَةُ وَ هِيَ تَجْمَعُ هَذِهِ الْخِصَالَ الْحُرِّيَّةُ».[3]

الحرية

فنحن في هذا المقال نتصدى لذكر الأسباب التي تسلب الحرية من الإنسان وبيان بعض جوانبها

وليعلم القارئ العزيز أنّ أسباب افتقاد الحرية ومنشؤها إمّا أن يكون هو الشخص بنفسه وإمّا بسبب أفعال الآخرين كالظلمة والجائرين وقد نهت الشريعة الإسلامية المقدسة عن كلا القسمين حيث نرى في القرآن الكريم أنّ أحد أهداف بعثة الأنبياء هي رفع الأغلال التي كانت على الناس: «...وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ...»[4] نعم، يطلقون سراح الإنسان من كل معتقد قد استرق فكره وعقله، وأمّا الأسباب التي ذكرها الشارع هي كما يلي:

1- الطمع، أحياناً الطمع يجعل الإنسان يتذلل للآخرين، فيسترقّ نفسه من أجل الحصول على متاع لا يدوم بقاؤه ولكن يطول عقابه، يقول أميرالمؤمنين (عليه السلام): «لا يَسْتَرِقَّنَّكَ الطّمَعُ و قَد جَعلَكَ اللّهُ حُرّا»[5] وأحياناً الشعور بالطمع يُنسي الإنسان نفسه فيتحوّل إلى كائن سبُعيّ ذي مخالب فيدوس القيم الإنسانية وهذا ما رأيناه في واقعة الطف الفظيعة حيث ارتكبت أبشع الجرائم في حق أهل بيت النبي (عليهم السلام) فوقف الإمام الحسين عليه السلام) منادياً القوم وقد ملأ صوته أسماع الكون «وَيلَكُم إنْ لمْ يَكنْ لَكُم دِينٌ فَكُونُوا أحرارا في الدُّنيا»[6] فدعى القوم إلى الإنسانية وإلى الحرية ولكن باعوا حظهم بالأردى فبقيت الشقاوة مرسومة على جباههم.

2- المعتقد الخاطئ، فإنه يجعل الشخص عبداً لأفكاره ولا يرى سبيلاً للخلاص منها حتى ولو أقمت له أوضح البراهين وأقوى الحجج ولذلك بعث الله أنبياءه وواتر رسله لينبّهوا  الناس عن غفلتهم ويخلّصوهم من الأفكار الخائطة التي نسجوها على مر العصور والأيام ويجعلوهم أحراراً في اختيار العقيدة كما ورد عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَ وَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ وَ يُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ وَ يَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ وَ يُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ»[7] ولكن من الناس من يقاوم على معتقده فينتهي ذلك إلى عبادة الأصنام والأوثان وما يستقبح ذكره في هذا المقال.

3) الحكومات الجائرة، والشواهد كثيرة لهذا القسم، حيث إنّ الحكّام يرتكبون أبشع الجرائم من أجل الحفاظ على ملكهم فبالتالي يستعبدون الناس ويسلبون الحرية منهم ولا يقيمون لهم وزناً ولكن بعض النفوس تأبى ذلك فيضحّون بأنفسهم وأهلهم وأموالهم ويشرّدون من بلد إلى بلد من أجل أن يستجلبوا الحرية البشر وعلى رأس هؤلاء هم الأنبياء والأوصياء والأوصياء والأئمة والصالحين فبقيت ملحمتهم خالدة إلى قيام الساعة.

فعلى الإنسان أن يعيش حرّاً بعيداً عن الأغلال المادية والفكرية وأن لا يركع لأي ظلم مهما وصل به الأمر وأحياناً علينا أن ندفع ثمن الحرية كما نرى اليوم في بعض البلاد الإسلامية فإنهم يتحملون أبشع وأكبر العقوبات وما ذلك إلّا أنهم لا يريدون أن يعيشوا تحت ظل الطواغيت.

المصادر:

[1] . نهج السعادة، ج1،ص198. 

[2] . غرر الحکم، الحديث10317.

[3] . الخصال، ج1، ص284.

[4] . الأعراف، الآية157.

[5] . غرر الحکم، الحديث10371.

[6] . مقاتل الطالبيين، ص118.

[7]. نهج البلاغة، الخطبة1.

بسم الله الرحمن الرحيم

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
2 + 18 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.