وقعت أحداث في عرفات من الصحابة ، فكانوا لا يوقّرون رسول الله «صلى الله عليه وآله »، لذا لا يتوقع أحد منهم الرفق والتوقير لغيره ، لأن البشر كلهم دونه . وقد أظهرت الأحداث اللاحقة هذه الحقيقة ، حيث ضربوا ابنته الزهراء عليها السلام حتى الاستشهاد ، وأسقطوا جنينها .

خروج رسول الله سريعاً من مكة الى غدير خم
قد جاءت الخطوة النبوية التالية بعد ما تمرد الصحابة عليه، وهي الوصول الى غدير خم بمبادرته الخروج من مكة ، فإنه بعد أن انتهى النبي « صلى الله عليه وآله » من أداء المناسك وبعد نفره من منى . خرج من مكة سريعا .
فما قيل من أنه دخل مكة ، وطاف بالبيت ، وبقي إلى صباح اليوم التالي ، ثم ارتحل[1] غير دقيق ولا صحيح ، لما روي عن أهل البيت « عليهم السلام » أنه لم يطف بالبيت ولا زاره ، بل نفر حتى انتهى إلى الأبطح ، ولم يدخل المسجد الحرام ، ولم يطف بالبيت [2].
ويعضد ما روي عن اهل البيت « عليهم السلام » رواية جابر قال : خرج رسول الله « صلى الله عليه وآله » من مكة عند غروب الشمس ، وصلى المغرب في سرف [3].
والسبب في سرعة خروجه ، علمُهُ أنّ أيّ تأخير سيؤدّي الى خروج أشتات من الناس إلى بلادهم ،فيفوته ما يريد ابلاغه في غدير خم، أما لو خرج « صلى الله عليه وآله » معهم ، فمن الطبيعي أن يتقيدوا في مسيرهم بمسيره « صلى الله عليه وآله » ، والكون في ركابه ، إما حياءً ، أو طلباً لليسر والأمن ، والبركة.
ولذا قطع « صلى الله عليه وآله » المسافة ما بين مكة والجحفة ، حيث غدير خم - وهي عشرات الأميال - في أربعة أيام فقط ، مع أنه كان يسير في جمع عظيم تبطئ كثرته حركته.
مقاطعة قريش لرسول الله
وبعد أن اتضح لقريش أن النبي « صلى الله عليه وآله » مصرٌّ على تنصيب علي « عليه السلام » إماماً وخليفة من بعده . ضاقت بذلك صدورهم ، وأجمعوا أمرهم على مقاطعته ولم يعودوا يطيقون حضور مجلسه.
إتضح ذلك مما روي عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله « صلى الله عليه وآله » نزل غدير خم فتنحى الناس عنه ، ونزل معه علي بن أبي طالب ، فشق على النبي تأخر الناس ، فأمر علياً ، فجمعهم ، فقال « صلى الله عليه وآله »: « أيها الناس ، إنه قد كَرِهْتُ تخلفكم عني ، حتى خُيِّلَ إلي : أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني »[4].
____
المصادر:
[1] . المغازي للواقدي، ج 3، ص 1114.
[2] . الكافي، ج 4، ص 248.
[3] . مسند أحمد، ج 3، ص 305.
[4] . مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي، ص 25.