الوعد المكذوب

لقد أوجد الله تعالى في الإنسان منذ أن خلقه النزعة إلى الإستقامة والتوحيد وعبادة الله الواحد الأحد وعدم الركون إلى المحارم واتباع خطوات الشيطان ، والإنجراف وراء زيغه وغيّه ، وهذه الحقيقة الربانية ما يشهد بها قوله تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ }. [1]. روى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: سألته عن قول الله عز وجل " فطرة الله التي فطر الناس عليها " ما تلك الفطرة ؟ قال : هي الاسلام، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد. [2].

وهذه الفطرة السليمة حقيقة إلهية أودعت في الإنسان ولاتتخلف ، غير أن الإنسان أحياناً يحيد عن هذه الفطرة لأسباب كثيرة ؛ منها وساوس الشيطان والإنجراف وراء أمانيه وإغوائه ، وهذا يقودنا إلى طبيعة الصراع التي تدور بين الإنسان والشيطان.

إن طبيعة الحياة تفرض على الإنسان صراعات دائمة مع الشيطان ، بل إن هذا الصراع مقضي به حين رفض الشيطان أن يمتثل لأمر الله تعالى بالسجود لآدم علیه السلام فطرده الله ولعنه، فأقسم الشيطان بين يدي الله عز وجل أن يضله وذريته ما قدر لى ذلك { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }. [3].

وأمام هذه العداوة المُعلنة من الشيطان فإن الله سبحانه وتعالى  حذرنا في كتابه العزيز مرارا وتكرارا من الشيطان ، فقال تعالى :  { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }. [4]. وقال تعالى : { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِين }. [5].

لقد تسلح الشيطان بأسلحته المختلفة لأجل هذه المهمة مهمة الإضلال لبني آدم ، ومن هذه الأسلحة الكذب والخداع ، وهذا ما تشهد به آيات كثيرة ، قوله تعالى : { ٱلشَّيْطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ }. [6]. وقال أيضا : { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا }. [7].

والشيطان بهذا الكذب والخداع يُغرق أناسا في بحره وشراكه ، فيغدو الإنسان مقيدا وأسيرا لأهواء الشيطان ونزواته ، وبالنتیجة يبتعد عن الطريق المستقيم ، وينحرف إلى الطرق المعوجة الشاذة التي زينها الشيطان له ، ولا شك أن مَن هكذا حاله تكون عاقبته جهنم ولا مفر له منها ؛ كما بینت الآية التي تلي الآية السابقة الأخيرة ، { أُوْلَٰٓئِكَ مَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا }. [8].

وهذه غاية الشيطان النهائية التي يريدها لكل بني البشر أن يصيروا إلى جهنم ، كما قال تعالى: {  إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُۥ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ }. [9]. ورغم هذا كله { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا }. [10]. فلا ريب أن المؤمن بلجوئه إلى ربه عز وجل واعتصامه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبأهل بيته عليهم السلام ينجو من شباك الشيطان وشراكه وشره.

وهذه بعض الأمور المهمة المساعدة في هذا الطريق الشائك للنجاة من الشيطان ووساوسه :

1- الإخلاص: { قٰالَ رَبِّ بِمٰا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاّٰ عِبٰادَكَ مِنْهُمُ اَلْمُخْلَصِينَ }. [11]. فأخبر الشيطان بنجاة المخلصين منه.

2- حسن العبودية لله: { إِنَّ عِبادي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطانٌ إِلّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغاوينَ }. [12].       

3- الاستعاذة بالله والاحتماء واللوذ به : { وَإِمّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطانِ نَزغٌ فَاستَعِذ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَليمُ }. [13].

ونختم بهذه الوصية من أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول : ( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اَللَّهِ اَلَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ وَ اِحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ وَ حَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي اَلصُّدُورِ خَفِيّاً وَ نَفَثَ فِي اَلْآذَانِ نَجِيّاً فَأَضَلَّ وَ أَرْدَى وَ وَعَدَ فَمَنَّى وَ زَيَّنَ سَيِّئَاتِ اَلْجَرَائِمِ وَ هَوَّنَ مُوبِقَاتِ اَلْعَظَائِمِ حَتَّى إِذَا اِسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ وَ اِسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ وَ اِسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ وَ حَذَّرَ مَا أَمَّنَ ). [14].

_________________

المصادر :

[1]. سورة الروم : 30.

[2]. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٤، ص١٣٥.

[3]. سورة ص ، الآية82-83.

[4]. سورة فاطر ، الآية6.

[5]. سورة الإسراء ، الآية53.

[6].سورة البقرة ، الآية268.

[7]. سورة النساء ، الآية120.

[8]. سورة النساء ، الآية121.

[9]. سورة فاطر ، الآية6.

[10]. سورة النساء ، الآية76.

[11]. سورة الحجر ، الآية39-40.

[12]. سورة الحجر ، الآية42.

[13]. سورة فصلت ، الآية36.

[14]. نهج البلاغة،صبحي الصالح، خطبة83، ص131.