إن الرسول الأكرم « صلى الله عليه وآله » كان يواجه عاصفة من التحدي ، والإصرار على إفشال الخطط الإلهية ، بأي ثمن كان ، وبأي وسيلة كانت!
الصحابة والتدخل الالهي في قضية الغدير
إن قريشاً وأتباعهم كانوا يخططون لصرف الأمر عن بني هاشم ، وبالذات عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب « عليه الصلاة والسلام » ، ويتصدون لملاحقته ومتابعته في جميع تفاصيله وجزئياته، لذا نرى قريشاً بالذات هي التي قصدت النبي « صلى الله عليه وآله و سلم » في منزله بعد واقعة الغدير مباشرة لتستوضح منه ماذا يكون بعد هؤلاء الأئمة . فكان الجواب : ثم يكون الهرج . وفي نص آخر : « الفرج » ، كما رواه الخزاز.[1]
وقد فضح الله أمر هؤلاء المتظاهرين بغير حقيقتهم أمام فئات من الناس ، جاءت للحج من كل حدب وصوب ، وسيرجعون بذكريات مرة عن هؤلاء الناس ليحدثوا بها أهلهم ، وأصدقاءهم ، وزوارهم .
الصحابة والتهديد الالهي
فقد جاء التهديد الإلهي لهم ، وحسم الموقف ، وظهر لهم أنهم عاجزون عن الوقوف في وجه إرادة الله ، القاضية بلزوم إقامة الحجة على الناس كافة ، بالأسلوب الذي يريده الله ويرتضيه . وأدركوا : أن استمرارهم في المواجهة السافرة قد يؤدي بهم إلى حرب حقيقية ، مع الله ورسوله.
ومن الواضح أن وقوع تلك المواجهة سوف ينتهي بهزيمتهم وفضيحتهم ، وضياع كل الفرص ، وتلاشي جميع الآمال في حصولهم على امتياز يذكر ، لذا آثروا الرضوخ - مؤقتاً - إلى الأمر الواقع ، والانحناء أمام العاصفة ، في سياسة غادرة وماكرة . . ولزمتهم الحجة ، بالبيعة التي أخذت منهم له « عليه السلام » في يوم الغدير .
وقد يثار سؤال:
إنه كيف يمكن أن نصدق أن يقدم عشرات الألوف من الصحابة على مخالفة ما رسمه النبي « صلى الله عليه وآله » لهم في أمر الخلافة والإمامة . وهم أصحابه الذين رباهم على الورع والتقوى ، وقد مدحهم الله عز وجل في كتابه العزيز ، وذكر فضلهم ، وهم الذين ضحوا في سبيل هذا الدين ، وجاهدوا فيه بأمواله وأنفسهم !
والجواب:
إن ما يذكرونه حول الصحابة في الحقيقة أمر مبالغ فيه . وذلك لأن الصحابة الذين حجوا مع النبي « صلى الله عليه وآله » قبيل وفاته ، وإن كانوا يعدون بعشرات الألوف . ولكن لم يكن هؤلاء جميعاً من سكان المدينة ، ولا عاشوا مع النبي « صلى الله عليه وآله » فترات طويلة ، تسمح له بتربيتهم وتزكيتهم .
إن الصحابة فيهم المنافقون الذين مردوا على النفاق ، ممن أخبر الله عن وجودهم ، وأنهم كانوا ممن حولهم الأعراب ومن أهل المدينة ، ولم يكن رسول الله « صلى الله عليه وآله » يعلمهم بصورة تفصيلية ،أي لا يعلمهم في مقام الظاهر وفقاً لوسائل العلم العادية أما بعلم الشاهدية فإنه كان « صلى الله عليه وآله » يرى أعمال الخلائق .
لكن الله سبحانه هو الذي يعلمهم . قال تعالى :( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) [2].
والحاصل أن مدائح الصحابة التي رويتْ في حقهم لا تنطبق مع واقع حالهم وموقفهم من واقعة الغدير ومن رسول الله « صلى الله عليه وآله » فلا استغراب لو قيل ان اكثرهم لم يتأثر بالاسلام شيئا وبقوا على حالهم وعاداتهم في زمن الجاهلية.
المصادر
[1] . سورة المائدة، الآية 67.
[2] . سورة التوبة الآية 101.