إنّ الذين يؤمنون بالله ، وبأنبيائه ورسله ، وبالآخرة ، فإنهم - بحسب ما علمهم القرآن ، ونبي الإسلام ( صلى الله عليه وآله ) - ينظرون إلى الموت نظرة تختلف كثيراً عن نظرة غيرهم .
كربلاء ونظرة الأصحاب الى الموت
إنّ السر في خلق الموت والحياة كما في قوله تعالى :( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )[1]. هو وضع الإنسان على المحك ، بهدف دفعه لمواصلة تحركه نحو الأفضل والأحسن في مسيرته التكاملية ، في نطاق جوٍ مثير يهيمن عليه تنافس إيجابي ، باتجاه تكوين وصنع الحياة ، والتأثير فيها وإثارتها لتتجسد عملاً ذا ميزات جمالية تنمو وتتكامل في جماليتها من حسن إلى أحسن بصورة مطردة .
فالموت والحياة معاً لهما دورهما الإيجابي في بناء الحياة ، وفي تكامل الإنسان في إنسانيته ، من حيث إنهما ينتجان عملاً حسناً ، بل ومتميزاً في حسنه وجماليته ، حتى يجتاز مرحلة الموت ، ليصل إلى عالم البرزخ ومعه رصيده العتيد ، من عمل حسن وأحسن ، ويتخلص من كل ما يحجزه عن مواصلة مسيرته التكاملية نحو الله سبحانه ليفوز بقربه كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ )[2]
الموت عند اهل البيت واصحابهم
ولا غرو أن يكون هذا الموت حبيباً ولذيذاً ، كما قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه ».[3]
وقد وصف الإمام الحسين ( عليه السلام ) أصحابه فقال : « يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل إلى محالب أمه ».[4]
وسأل الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، القاسم بن الحسن ( عليهما السلام ) : يا بني كيف الموت عندك ؟ ! قال : يا عم أحلى من العسل.[5]
وحين قال ابن زياد لعنه الله للعقيلة زينب سلام الله عليها : كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك ؟ قالت : ما رأيت إلا جميلاً .[6]
وحين ضرب ابن ملجم لعنه الله ، أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، قال صلوات الله وسلامه عليه : فزت ورب الكعبة .[7]
إن الموت بعبارة أخرى هو سر الحياة ، وهو يعطيها معناها ومغزاها ، وقيمتها . وهو غاية زينتها وبهجتها ، وهو سر الطموح ، وسر الحركة الدائبة باتجاه الأفضل فيها ، وسر سعي الإنسان إلى كماله ، وكدحه إلى ربّه ، وسرّ ملاحقته لأسرار الكون وخفاياه ، ليستفيد منها في ترسيخ حالة الأمن والسلامة القصوى في حاضره وفي مستقبله على حدٍّ سواء .
وإذ قد عرفنا ، ولو بصورة موجزة ماذا يعني الموت للإنسان المؤمن ، ولغيره . . فإن ذلك يفتح أمامنا باب معرفة ما يعنيه الموت إذا كان قتلاً وتضحية في سبيل الله سبحانه ، وفي سبيل المستضعفين في الأرض .
اذن اصحاب الامام الحسين عليه السلام كانوا يدركون حقيقة الموت وما بعده، فصاروا يتسابقون اليه تسابق الولهان ، ونالوا بذلك شرف الدارين فسلام الله تعالى عليهم اجمعين.
المصادر:
[1] . سورة الملك ، الآية 2 .
[2] . سورة الانشقاق ، الآية 6 .
[3] . نهج البلاغة [ بشرح عبده ] ج 1 ص 41.
[4] . مقتل الحسين للمقرم، ص 262 .
[5] . اللهوف، ص 82 و 83 ونفس المهموم، ص 208 .
[6] . نفس المهموم، ص 371 .
[7] . ترجمة الإمام علي ( عليه السلام ) من تاريخ دمشق، ج 3 ، ص 303.