ليس من السهل واليسير على أمثالي الولوج إلى موضوع دروس من عاشوراء ، حيث إن  مثل هذه المواضيع أكبر وأعظم وأجل من أن يُحدث عنها مثلي ، لكننا نقتفي في هذا أثر العلماء الربانيين الحسينيين الذين كتبوا وبينوا عن عاشوراء واستخلصوا دروسا وعبرا منه .

فدروس من عاشوراء تنطلق من زاوية مقاصد الدّين والحكومة واستمرار الرسالة وهو الهدف الأساسي من عاشورائية الإمام الحسين عليه السلام ، وهذا هو الفهم الدقيق المسطر عن الإمام الخميني قدس سره لعاشوراء ، ولا أدل على ذلك مقولته المعروفة " إنّ كل ما لدينا من محرم وعاشوراء" ، حيث كان عاشوراء هو الملهم الأول للثورة الإسلامية في إيران وبعد ذلك انتصارها ،  وهذا الفهم يختلف كليا عن النظرة التاريخية التي ينظر إليها البعض إلى عاشوراء ، وجعله مجرد ذكرى وطقوس .

وبعد هذه المقدمة البسيطة نلج إلى دروس من عاشوراء فنستخلص العبر منه ، وذلك على النحو التالي:

الدرس الأول: الالتزام بالدين

إن الإمام الحسين علیه السلام وأصحابه لم یجاهدوا ويبذلوا مهجهم من أجل الأطماع والاغراض الدنيوية ، بل جاهدوا من أجل بقاء الدين وقيم الإسلام ، يقول الإمام الحسين  في سبب خروجه وحركته: " إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر" . [1].

وفي يوم عاشوراء يقول البطل الهاشمي العباس بن علي بن أبي طالب :

والله  إن  قطعتمو يميني *** إني أحامي أبدًا عن ديني . [2].

ومن یجب على المؤمنين يكونوا في عاشوراء وبعه بهذه الروحية الممتلئة عزما وتصميما على الالتزام بتعاليم الدين ، والاجتناب عن المعاصي ، والتوبة إلى الله تعالى والمواظبة على أداء الصلوات وجميع الواجبات الأخرى مهما کانت الظروف .

الدرس الثاني: تحمل المسؤولية الاجتماعية

كان بإمكان الإمام الحسين  أن يبقى في داره ، وفي مسجد جدّه  كما أشار عليه كثيرون ، وكما فعل آخرون لكنّه أبى إلاَّ أن يتحمّل مسؤوليته الشرعية والاجتماعية ، يقول : " أيّها الناس إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من رأى سلطانا جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقا

على الله أن يدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيّر " . [3].

ومن هنا فإنه من الواجب علينا تحمّل المسؤولية تجاه وطننا ومجتمعنا ، فكل واحد منّا مطالب بدور في محيطه ومجتمعه.

الدرس الثالث: مراعاة حقوق الناس

حیث کان الإمام الحسين عليه السلام لا يأذن بالشهاده لمن كان عليه دين ، فقد روي عن موسى بن عمير ، عن أبيه قال : أمرني الحسين بن علي عليه ‌السلام قال : " نادِ أَنْ لا يُقتل معي رجلٌ عليه دَينٌ ، وناد بها في الموالي فإنّي سمعتُ رسولَ الله صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم يقول : من مات وعليه دين اُخذ من حسناته يومَ القيامة ". [4].

ویتبین لنا من الموقف العظيم للإمام الحسين عليه السلام أنه أراد أن يكون المستشهد بين يديه ، خالي الذمة من حقوق الناس وأموالهم ، ولا يريد أن يكون سببًا في ضياع أي حق من حقوق الآخرين .

وهذا فيه دلالة على وجوب اعطاء حقوق الاخرين قبل شرف الجهاد والنصرة ، فمع حاجته الإمام إلى النصرة ، لم یقبل يكون معه من فيه حق لأحد ،  وهذا غاية سمو الأخلاق والنبل ، وأنموذج مثالي من الدروس الأخلاقية العظيمة لكل الأجيال في كل زمان ، ويجب أن نأخذ من ذلك درسًا ، وبخاصّة مع ما نراه من تساهل عند كثيرين في أداء حقوق الناس ، فالبعض لا يؤدّي الدين الذي عليه ، ويسوّف في هذا الأمر، وبعض أصحاب المؤسسات لا يعطون عمّالهم أجورهم ، وهذا لا يجوز شرعًا ، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قوله : " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه ". [5] ولاشك أن الدروس من عاشوراء كثيرة وعديدة ، لكن المجال لايتسع لها.

_________

المصادر:

[1]. بحار الأنوار ، ج ٤٤ ، ص٣٢٩.

[2]. بحار الأنوار ، ج ٤٥ ، ص ٤٠

[3] . تاريخ الطبري، ج 4، ص 304.

[4].إحقاق الحق، ج ١٩، ص ٤٢٩ ، موسوعة كلمات الإمام الحسين، ص ٤١٧.

[5]. السُّن‍َنُ الكُبرى،  ج6 ،  ص120.