جواهر الرجال

12:08 - 2022/08/15

جوهرة الإنسان وذاته تظهر في المواطن والظروف الخاصة، فهناك تعرف شخصيته الحقيقية.

الحسين

نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) مليئة بالدروس والعبر

من البديهي أنّ لكل فرد شخصية تميزه عن الآخرين، ولذا مواقف الشخص وحالاته وتصرفاته تجعل الأفراد يحكمون عليه فيقولون عنه أنّه رجل صادق أو كاذب، قوي أو ضعيف، متشرع أو غير متشرع وكذا باقي الصفات، فمن بين الأفراد من له شخصية ثابتة لا تتغيّر بتغيّر الظروف والحالات ولكن على العكس هناك أفراد تتغير أحوالهم بتغيّر الظروف وهذا الواقع يدل عليه قول أميرالمؤمنين (عليه السلام): فِي تَقَلُّبِ الاَحْوَالِ، عِلْمُ جَوَاهِرِ الرِّجَالِ.[1]

التاريخ الإسلامي فيه نماذج كثيرة لكلا القسمين، فبعض قد اعتنق الباطل بعد ما كان على هداية ومعتقد حق والبعض الآخر اهتدى وسلك الطريق الصحيح بعد ما كان مرتطماً بالغي والضلال، وهذا ما نراه في وقعة الطف فإنّ بعض من حضرها رأى نور الإمامة والحق فانجذب إلى الإمام الحسين (عليه السلام) وكان مع ركبه، وبعض باع حظه بالأدنى فوقف أمام الحق وخاض في الباطل من أجل المطامع الدنيوية فنذكر بعض النماذج لكلا القسمين على سبيل الإختصار.

الحسين

ومن جملة الأفراد الذين تبيّن للناس جوهرهم الطيب والطاهر هو الحر بن يزيد الرياحي، حيث كان مع عبيد الله بن زياد وصد الطريق على الإمام الحسين (عليه السلام)

ولكن بعد ما انتبه من غفلته وعلم أنّه وقف أمام النور الإلهي وأنّ الحسين هو ابن رسول الله وأمه سيدة النساء وأباه أميرالمؤمنين ذاك الرجل العظيم، التحق بالإمام الحسين (عليه السلام) واستشهد على يديه، فيذكر أنّه يوم عاشوراء أخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا، فقال له المهاجر بن أوس الرياحي: ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العرواء، فقال له: يا ابن يزيد، إنّ أمرك لمريب، وما رأيت منك في موقف قطّ مثل شيء أراه الآن، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلا ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك! قال: إنّي والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنار، وو الله لا أختار على الجنّة شيئا ولو قطّعت وحرّقت، ثمّ ضرب فرسه ولحق بالحسين، فلمّا دنا منهم قلب ترسه، فقالوا مستأمن، حتّى إذا عرفوه سلّم على الحسين وقال: جعلني الله فداك يا ابن رسول الله أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع،وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان... وإنّي قد جئتك تائبا ممّا كان منّي إلى ربي، ومواسيا لك بنفسي حتّى أموت بين يديك، أفترى لي توبة؟ قال: « نعم، يتوب الله عليك، ويغفر لك، فانزل » قال: أنا لك فارسا خير منّي راجلا، أقاتلهم على فرسي ساعة، وإلى النزول ما يصير آخر أمري قال: « فاصنع ما بدا لك »، فاستقدم أمام أصحابه ثمّ قال: أيّها القوم ألا تقبلون من حسين هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه؟...وبعد ما نصح القوم وبيّن لهم عظمة الإمام الحسين (عليه السلام) برز إلى القتال مرتجزاً:

 إنّي أنا الحرّ ومأوى الضيف    أضرب في أعراضكم بالسيف

عن خير من حلّ بأرض الخيف

ثمّ أخذ يقاتل هو وزهير قتالا شديدا، فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم شد الآخر حتّى يخلّصه، ففعلا ذلك ساعة ثمّ شدّت جماعة على الحرّ فقتلوه فلمّا صرع وقف عليه الحسين (عليه السلام) وقال له: « أنت كما سمّتك أمّك الحرّ حرّ في الدنيا وسعيد في الآخرة ».[2]

وفي المقابل هناك من جحد الحق ورضي بالدون من الدنيا فوقف أمام الحق وتغطرس في هواه وأبرز هؤلاء الأشخاص هو عمر بن سعد لعنه الله حينما عرضت عليه الدنيا أنشا يقول:

فوالله ما أدرى وإني لصادق       أفكر في أمرى على خطرين

 أأترك ملك الري والري منيتي    أم أصبح مأثوما بقتل حسين

حسين ابن عمى والحوادث جمة     ولكن لي في الري قرة عيني

 يقولون إن الله خالق جنة           ونار وتعذيب وغل يدين

 فإن صدقوا مما يقولون إنني      أتوب إلى الرحمن من سنتين[3]

فهو يدرك أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) على حق ولكن ذاته الرديئة لم تسمح له باتخاذ قرار صائب، فاستمر على غيّه حتى أصبح قائد جيش الضلال في وقعة الطف فجزروا آل البيت جزر الأضاحي وبالأخير أمر أن يرضوا جسم الحسين (عليه السلام) بالخيول.

نعم، جوهرة الإنسان وذاته تظهر وتتجلّى في المواقف والعقبات، فهناك يعرف المرء من السعداء أو من الأشقياء، وهذا أكبر درس للمسلمين بأنهم معرّضون لهذا البلاء، فيمكن أن تغير أحوالهم بتغيير الظروف.

المصادر:

[1] . نهج البلاغة، ح217، ص348.

[2] . إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام، ص208.

[3] . اللهوف في قتلى الطفوف، ص193.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
14 + 5 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.