القنوط من رحمة الله

14:04 - 2022/11/26

القنوط من رحمة تعالى واليأس من روحه بحر شيطاني یغرق فیه کثیر من العباد، وهذا بحکم طبيعة الصراع مع النفس والهوى والشيطان أ مر لاهروب منه إلا من عصمه الله تعالى.

القنوط من رحمة الله

إن للشيطان مداخل كثيرة إلى الإنسان، فهو لايفوت الفرصة ولايتردد من أجل صرع الإنسان واسقاطه في المحاذير والنواهي، ولعل من أخطر مداخيله التي تَركب الإنسان وتحوز حظا منه هو القنوط واليأس من رحمة الله تعالى، فالإنسان لطبيعته وبطبعه عجول مسارع راكض وراء مبتغاه في جميع أموره، وهذا مصداق لقوله تعالى: {وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ عَجُولًا}[1] ومن تلك الأمور التي يعجل المرء فيها أحيانا هي عجلته في استجابة الدعاء منه والحصول على مطلوبه، فيرغب أن يُعطى سُؤله قريبا عاجلا، وهذه الحالة مامن واحد إلا وحدثته نفسه بها أو حتى  وقع فيها، فتجده مع نفسه لماذا الله لم يستجب لي دعاء.. ولماذا كذا ولماذا كذا؟.. فيدخل في حالة من الضباب والظلام الداخلي والنزعات والتقلبات الفكرية النفسية والشيطانية الرهيبة؛ البعيدة كل البعد عن تعاليم الدين والإسلام، وهذه الحالة بطبيعة الحال تجسيد آخر لحالة القنوط من رحمة الله تعالى واليأس من رَوحه.

القنوط من رحمة الله من الكبائر:

لقد عد الشرع الحنيف القنوط من رحمة الله تعالى من الكبائر، وهذا ما نجده في الروایة الشريفة التي يرويها مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام إذ تذكر الكبائر وكان منها القنوط واليأس من رحمة الله تعالى. يقول مسعدة سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "الكبائر: القنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، والامن من مكر الله، وقتل النفس التي حرم الله، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الربا بعد البينة، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، فقيل له: أرأيت المرتكب للكبيرة يموت عليها، أتخرجه من الايمان، وإن عذب بها فيكون عذابه كعذاب المشركين، أو له انقطاع؟ قال: يخرج من الاسلام إذا زعم أنها حلال ولذلك يعذب أشد العذاب وإن كان معترفا بأنها كبيرة وهي عليه حرام وأنه يعذب عليها وأنها غير حلال، فإنه معذب عليها وهو أهون عذابا من الأول ويخرجه من الايمان ولا يخرجه من الاسلام".[2]

القنوط

وعليه؛ فإن المؤمن يجب عليه أن يكافح ویجاهد نفسه لكي لايقع في كبيرة القنوط واليأس، واذا طلب حاجة من الحاجات الدنيوية من الله عزّ وجل ولم تحصل له، لاینبغي أن يفقد الأمل بربه فإنه قريب مجيب، وكذا فيما يطلبه من الله تعالى أمور الآخرة؛ لذا فليكن يقينه بالله سبحانه وتعالى سابقا ليأسه وقنوطه ويجعل ذلك رداء له في شتائه وصيفه، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}،[3] وقال في موضع آخر: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }[4]

 ونشير إلى هذه اللفتة القرآنية وهي أن حالة القنوط من رحمة الله تعالى واليأس من روحه عدها الله سبحانه وتعالى في كتابه من صفات الكافرين والضالين إذ يقول الله تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}،[5] ویقول أيضا: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}،[6]وفي هذا إشارة إلهية إلى خطورة هذا الخلق وسوء عاقبة صاحبه، وفيها دلالة جلية على أن المؤمن الحق لايتصف به ولايكون ديدنه ولا سلوكه. 

وبالجملة فإنه يجب أن نكون كما كان صلى الله عليه وآله وسلم حیث کان كثير التفاؤل فی کل أموره وشؤونه ونقل عنه ذلك في كثير من مواقفه، ويقول أيضا في هذا الباب صلى الله صلى عليه وآله: " تفاءلوا بالخير تجدوه ".[7]

_____________________

المصادر:

[1] سورة الإسراء، الآية11.

[2] الكافي، ج٢، ص٢٨٠.

[3] سورة البقرة، الآية186.

[4] سورة غافر، الآية60.

[5] سورة يوسف، الآية87.

[6] سورة الحجر، الآية56.

[7] ميزان الحكمة ، ج ٣، ص٢٣٥٣.

كلمات دلالية: 

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
7 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.