فاطمة الزهراء المُحدَّثة

على مايظهر من معاني اسم المحدثة للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام من بعض الأحاديث فهو يعني أنها سلام الله عليها كانت تحدثها الملائكة وتؤنسها خاصة بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. كما قال زيد بن علي  سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إنما سميت فاطمة محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول يا فاطمة ، إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين . يا فاطمة ، اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين فتحدثهم ويحدثونها ، فقالت لهم ذات ليلة أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ فقالوا إن مريم كانت سيدة نساء عالمها ، وإن الله جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين.[1]

وعن إسماعيل بن بشار قال : حدثنا علي بن جعفر الحضرمي بمصر منذ ثلاثين سنة قال حدثنا سليمان قال : محمد بن أبي بكر لما قرأ : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ) ولا محدث ، قلت : وهل يحدث الملائكة إلا الأنبياء ؟ قال : إن مريم لم تكن نبية وكانت محدثة ، وأم موسى بن عمران كانت محدثة ولم تكن نبية ، وسارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشروها بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، ولم تكن نبية ، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت محدثة ولم تكن نبي" . [2]

هل يصح أن تُحدث الملائكة فاطمة ؟

في المقام يُطرح سؤال حول امكانية أن تكون الملائكة حدثت فاطمة عليها السلام أو أنه هل يمكن أن تحدث الملائكة أناسا غير الأنبياء؟

نقول في مقام الجواب بأنه لامانع منه ثبوتا أو إثباتا من أن تحدث الملائكة فاطمة عليها السلام، وخير دليل وشاهد كتاب الله عز وجل على ما نقول، فإننا نجد آيات قرآنية كثيرة وعديدة تثبت هذه الحقيقة وتصرح بها ومن تلك الآيات:

1. قال تعالى: { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ }.[3] 

2. وقال الله عز وجل:{ وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَـهَا بِإِسْحَـقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَـقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَـوَيْلَتَى ءَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِى شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ}.[4]

3. وقال الله تعالى: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ }[5] 

4. وقال سبحانه: { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّۦنَ أَنْ ءَامِنُواْ بِى وَبِرَسُولِى قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ }. [6]

5. وقال جل وعلا: { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ }.[7] 

6. وقال أيضا: { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا }[8] 

إن المتأمل في الآيات الكريمة يدرك بكل وضوح أن الملائكة عليهم السلام تحدثت مع مريم عليها السلام وبشرت ساره كما في التفاسير،  وهما لم تكنا من الأنبياء ولا من الرسل ولكن القرآن الكريم يثبت أن الملائكة كلمتهما وحدثتهما . كما تبين الآيات الأخرى أن الله أوحى إلى أم موسى عليه السلام والحواريين والنحل والسماء بغير تصريح بواسطة من جاء الوحي، وهذا فيه إشارة إلى أن الوحي يأتي بطرق عدة ومختلفة فمنها الإلهام والتسخير وغيره. وبهذه اللفتة يتضح أن لفظة الوحي في القرآن الكريم ليس مأخوذا فيه دائما معناها الإصطلاحي الذي يعني الطريقة التي يكلم بها الله سبحانه وتعالى أنبياءه ورسله عن طريق الملائكة من أجل إيصال رسالاته إلى الخلق لهدايتهم. بل قد يراد به معناه اللغوي الذي يدل على الخفاء والسرعة في إيصال الشيء كما قيل.

فنخلص من كل ماتقدم أن الملائكة عليهم السلام حدثت غير الأنبياء وكلمتهم، وبالتتلي  لا محظور من القول بأنها حدثت فاطمة الزهراء عليها السلام وكلمتها كما أشارت إلى ذلك الروايات الشريفة، وهي الطاهرة المطهرة، فثبت بعموم ماتقدم المطلوب عندنا.

____________

المصادر:

[1] البحار، ج43،  ص78 .

[2] البحار، ج43، ص79 .

[3] سورة آل عمران، الآيات42-43.

[4] سورة هود، الآيات71_72.

[5] سورة القصص، الآية7.

[6] سورة المائدة، الآية111.

[7] سورة النمل، الآية68.

[8] سورة فصلت، الآية12.