-سعادة النفس بالإيمان وشقاؤها بالكفر.

المؤمن لا الكافر يثبت دائماً مقابل الابتلاءات ولا ينهار؛ لأنّه يدرك أنّ فيها حكمة تعود إلى مصلحته ، وله بربّه أمل أن يرفع تلك الابتلاءات عنه أو يجعلها مقابل شيء من عذاب الآخرة ، ذلك العذاب الذي تعدّ ابتلاءات الدنيا أمامه صفراً. قال الله تعالى :{إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ} -أي من لا إيمان لهم- {يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ} -مع فارق- {وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ}[1] ؛ فأنتم ترجون من الله النجاة من البلاء والمغفرة والجزاء ، وأولئك لا أمل لهم ، بل يبقون معذّبين في ظلمة اليأس والحيرة معذبين.
عذاب الكافر في الدارَين
هنا، قد يُطرح هذا السؤال: أنتم تقولون إنّ لأهل الإيمان حياة طيّبة في الدارَين، والمؤمن يظلّ دائماً في النعمة والهناء والسعادة والسرور، وما عداه يكون دائماً في الألم والبلاء وأسير هوى نفسه وحبيس التعاسة والغمّ، في حين أنّا نرى كثيراً من أهل الإيمان في الدنيا يبتلون بأنواع الآلام والصعوبات، وفي المقابل، نرى الكثير من الذين لا إيمان لهم يتنعّمون سعداء مرحين. فما هو سبب ذلك؟
الجواب: إنّ غمّ عالم الطبيعة وألمه لا يجد طريقه أبداً إلى حديقة قلب المؤمن. وكلّ الصعوبات والآلام التي يمرّ بها المؤمن، لا تصيب إلّا جسده، أمّا روحه فهي في مأمن من كلّ آفة، كما يقول القرآن الكريم: {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}.[2]
المؤمن في الدنيا ليس له أمن غير رضا خالقه ، ولذا فهو لا يبتلى بخيبة الأمل وعدم تحقّق مراده ، ولأنّه يعلم أنّ الله معبوده ومعبود الآخرين ، ويعرف أنّ لديه سبحانه القدرة والحكمة والعطف ، ويعدّ نفسه عبداً له وهو مولاه ، فلذلك لا يمكن أن يضطرب قلبه في الحوادث المؤلمة ، والله سبحانه يفيض عليه السكون بسبب إيمانه؛ {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ}.[3] بخلاف الكافر ومن لا إيمان لهم فإن المفرحات تجمل ظاهرهم فقط بينما قلوبهم تغمرها الوحشة والخراب.
ألم الكافر لا نهاية له
عندما يعجز من لا إيمان له في هذه الدنيا عن الوصول إلى المسلّيات التي تنسيه آلامه الداخليّة ويصبح هدفاً لسهام البلاء ، وتضيق في وجهه الدنيا من الفاقة والمرض وملاحقة الأعداء ، وكذلك من شدّة ظلام اليأس وعدم الإيمان وعدم الاعتماد على الله ، فإنّه يملّ من نفسه ومن الحياة المرّة ، حتّى يتمنّى الموت وينتحر ظنّاً منه أنّ هذا يخلّصه من الألم ، مع أنّه مخطئ ؛ فبالموت لا يفنى ، بل سيظلّ يواجه مصير قلبه الموحش هذا باستمرار ولا نجاة له ، ذلك أنّه {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}.[4]
إن طمأنينة النفس بالقرب من الله تعالى وشقاؤها وزيغها بالبعد عنه جل وعلا.
مقتبس بتصرف من كتاب القلب السليم للشهيد عبد الحسين دستغيب ،ج1 ،ص 52 - 55.
__________
المصادر:
[1] سورة النساء، الآية104.
[2] سورة الأنعام، الآية82.
[3] سورة الفتح الآية4.
[4] سورة طه، الآية124.