فلسفة المبعث النبوي

إن عظمة المبعث النبوي لا تخفى على كل ذي بصيرة ؛ خاصة مع استحضار طبيعة ذلك المجتمع الجاهلي الذي أنقذته الرسالة الإلهية المحمدية التي هي جوهر المبعث النبوي الشريف حيث محت أنواع الفساد واستبدلته بعبادة الواحد الأحد. ومن تجليات تلك العظمة ما نقل في حق ليلة المبعث ويومه من الفضائل غسلا وصوما ودعاء وزيارة وصلاة ، ومن ذلك ما روي عن أبي جعفر الرِضا عليه السلام أنه قال: "إن في رجب لليلة خير مما طَلَعَت عليه الشّمس وهي ليلة سبع وعشرين من رجب فيها نُبّئ رسول اَللَّه صلى اَللّه عليه و آله في صبيحتها و إن للعامل فيها من شيعتنا أجر عمل ستين سنة ...".[1]

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "لا تدع صوم سبعة وعشرين من رجب فإنه اليوم الذي أنزلت فيه النبوة على محمد صلى الله عليه وآله وثوابه مثل ستين شهرا لكم".[2]

فلسفة المبعث النبوي على لسان أمير المؤمنين عليه السلام

ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قوله في شأن البعثة النبوية المباركة ما يبين فلسفتها وحقيقتها وكيف ٱنها كانت خلاصا لمجتمع جاهلي متعفن من كل ظلام شيطاني، حيث قال عليه السلام:"إن الله بعث محمدا نذيرا للعالمين وأمينا على التنزيل وشهيدا على هذه الأمة، وأنتم معاشر العرب يومئذ على شر دين وفي شر دار، منيخون على حجارة خشن، وجنادل صم، وشوك مبثوث في البلاد، تشربون الماء الخبيث، وتأكلون الطعام الجشب، وتسفكون دماءكم، وتقتلون أولادكم، وتقطعون أرحامكم، وتأكلون أموالكم بينكم بالباطل، سبلكم خائفة، والأصنام فيكم منصوبة، ولا يؤمن أكثركم بالله إلا وهم مشركون، فمن الله عز وجل عليكم بمحمد صلى الله عليه وآله فبعثه إليكم رسولا من أنفسكم وقال فيما أنزل من كتابه:
{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.[3]

 وقال: {لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ}.[4]

وقال: { لَقَد مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤمِنينَ إِذ بَعَثَ فيهِم رَسولًا مِن أَنفُسِهِم}.[5]

وقال: { ذلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتيهِ مَن يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظيمِ}.[6]

فكان الرسول إليكم من أنفسكم بلسانكم فعلمكم الكتاب والحكمة والفرائض والسنة وأمركم بصلة أرحامكم وحقن دمائكم وصلاح ذات البين، وأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وأن توفوا بالعهد ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها، وأمركم أن تعاطفوا وتباروا وتباشروا وتباذلوا وتراحموا، ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد والتباغي والتقاذف، وعن شرب الخمر وبخس المكيال ونقص الميزان، وتقدم إليكم فيما تلا عليكم أن لا تزنوا ولا تربوا ولا تأكلوا أموال اليتامى، وأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ولا تعثوا في الأرض مفسدين ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.
فكل خير يدني إلى الجنة ويباعد من النار أمركم به، وكل شر يدني إلى النار ويباعد من الجنة نهاكم عنه".[7]
إذن المبعث النبوي رسم للبشرية جمعاء طريق النجاة في الدنيا والآخرة ولم يترك الله جل وعلا عباده في سبيل الضياع هملا، فكان المبعث الشريف هو وسيلة اخراجهم إلى بر الأمان. 

__________

المصادر:

[1] مصباح المتهجد ، ج2 ، ص813.

[2] إقبال الأعمال ، ج ٣ ، ص٢٧١-272.

[3] سورة الجمعة ، الآية2.

[4] سورة التوبة ، الآية128.

[5] سورة آل عمران ، الآية164.

[6] سورة الجمعة ، الآية4.

[7] بحار الأنوار ، ج ٣٣ ، ٥٦٦ – 568.