الإمام الصادق والمحن

كان العباسيون والامويون يعلمون أن الامام الصادق عليه السلام هو زعيم التصارع على رغم صمته عن محاربتهم، لكن هذا لا يكفي لهم أماناً من حربه لهم. لأن الصمت ربما يكون أداة للصراع أو هو الصراع نفسه.

لذا كان الامويون والعباسيون يوجّهون الى الامام الصادق عليه السلام أنواع المحن بين الحين والآخر، وما كفاهم انعزال الامام عن السياسة والانشغال بالعبادة والعلم، لأنهم يظنون أن هذا الانشغال هو سلاح الحرب، إذ به تتجه الانظار وترتفع مكانة الامام، وتقوى شوكة الدين، واذا قوي الدين انصرع أهل الدنيا.

لقد تشاغل الامويون بالفتن برهة من الزمن ولولا ذلك الانشغال لقضوا على الامام الصادق كما فعلوا مع آباءه.

أما السفاح من بني العباس فقد امتدت حكومته اربع سنين، وهذا الزمن لا يكفي لتطهير الارض من بني أمية وبناء أساس الملك، حتى أرسل على الامام الصادق، عليه السلام من المدينة الى الحيرة ليفتك به.

لم يكن يدفع السفاح على ذلك العمل الا ذلك الصراع الذي اشرنا اليه، حتى لا تتجه انظار الناس الى الامام الصادق، عليه السلام فيعرفون منزلته، وبما أن الناس في ذلك العهد كانت ترى أن الخلافة هي مجمع السلطتين الروحية والزمنية، ولا تراها سلطنة خالصة لا علاقة لها بالدين، فلا يصرف الناس عن الامام الصادق عليه السلام فإنه رجل الدين الخالص، وهذا أدعى للإمامة فيكونوا على أمان من دنياهم كما هم في أمان على دينهم.

شهادة الصادق في عهد المنصور

ثم جاء دور المنصور، فوقف بمرصد للإمام الصادق عليه السلام فشاهد أنواع الآلالم والمكاره حتى أذاقه السم.

ولا عجب من تلك المكاره الموجّهة للإمام لأن محن المرء على قدر ما له من فضيلة وكرامة ومقام بين الناس وطموح الى الرتب العالية.

كانت ولاية المنصور اثنتاعشرة سنة، لم يجد الصادق عليه السلام فيها راحة ولا هدوءً على ما بينهما من البعد الشاسع، لأن الصادق كان في الحجاز والمنصور في العراق، لكنه كان يتعاهده بالاذى ، فقد دعاه سبع مرات، كان بعضها في المدينة والربذة حين حج المنصور[1]، وبعضها يرسل اليه الى الكوفة وبعضها في بغداد، وفي كل مرة ما كان يرسل اليه الا ويريد قتله، هذا اضافة الى ما لاقاه عليه السلام من الهوان وسوء القول.

المصدر

[1] . حج المنصور أيام الامام الصادق عليه السلام ثلاث مرات، وبعد وفاته مرتين، ويظهر أنه كان يدعوه في كل مرة يحج فيها ويأمر بجلب الامام اليه. تاريخ اليعقوبي،ج3،ص 122 ط النجف.