علم أهل البيت ليس اكتساباً

الجواد عليه السلام نموذجاً : ليس بمستغرب لو حكم العقل بأن الواجب على الله سبحانه وتعالى أن ينصب في كلّ عهد عالماً يدلّ الناس على الشريعة كما جاءت، ويأتيهم بالأحكام كما نزلت، وهذا ما بينه رسول الله صلى الله عليه وآله وأذاعه للناس بقوله" " أنا مدينة العلم وعليّ بابها[1] " وقوله: " إِني تارك فيكم الثقلين ".[2]

فأهل البيت هم علماء الشريعة والكتاب، قد أخذوا العلم من معدنه واستقوه من ينبوعه، وآثارهم شاهدة والناس محتاجون الى علمهم، وكلما رجع الناس إليهم في أمر وجدوا علمه عندهم، وما احتاجوا الى علم الناس ابداً.

علمه عليه السلام

لقد انتهت الامامة الى الامام الجواد عليه السلام وهو ابن سبع سنين، فنهض بأعبائها، وقام بما قام به آباؤه من التعليم والإرشاد، وأخذ منه العلماء خاضعين مستفيدين، وهذا عليّ بن جعفر شيخ العلويّين في عهده سنّاً وفضلاً، إذا أقبل الجواد يقوم فيقبّل يده، وإِذا خرج يسوّي له نعله، وسُئل عن الناطق بعد الرضا عليه السّلام فقال: أبو جعفر ابنه، فقيل له: أنت في سنّك وقدرك، وأبوك جعفر بن محمّد، تقول هذا القول في هذا الغلام؟ فقال ما أراك إِلا شيطاناً، ثمّ أخذ بلحيته وقال: فما حيلتي إِن كان اللّه رآه أهلاً لهذا ولم ير هذه الشيبة لها أهلاً.[3]

والحال أن عليّ بن جعفر أخ الكاظم عليه السّلام والكاظم جدّ الجواد، وعلي أخذ العلم من أبيه الصادق وأخيه الكاظم وابن أخيه الرضا، فلو كان علمهم بالتحصيل لكان علي أكثر تحصيلاً، واذا كانت الإمامة بالسنّ لكان علي أكبر العلويّين سنّاً.

والجواد قد فارقه أبوه يوم سافر إلى خراسان وهو ابن خمس، فمن الذي كان يؤدّبه ويثقّفه بعد أبيه لو كان ما عندهم عن تعلّم وتأدّب؟

ومات الجواد وهو ابن خمس وعشرين سنة وابن هذا السنّ لم يبلغ شيئاً من العلم لو أنفق عمره في الطلب، فكيف يكون عالم الأمّة ومرشدها، ومعلّم العلماء ومثقّفهم، وقد رجعت إِليه الشيعة وعلماؤها من يوم وفاة أبيه الرضا عليه السلام ؟

ومثله ابنه عليّ الهادي عليه السّلام، فقد قضى الجواد وابنه ابن ست أو ثمان، فمن الذي ثقّفه وجعله بذلك المحلّ الأرفع حتى رجعت إليه العلماء والشيعة وهو ابن هذا السن؟ وماذا يحسن من كان هذا عمره لو كان علمه بالكسب؟

المصدر

[1] . كنز العمال،ج6،ص156.

[2] . مسند أحمد،ج4،ص366.

[3] . رجال الكشي 269 و 270.