حاول كثير من المخالفين لإقامة العزاء بإحياء ذكرى عاشوراء والأربعين، تهجين هذه المراسم والتنفير منها والتشكيك بمشروعيتها، رغم وجود الأدلة الشرعية على جواز إقامة العزاء.

إقامة العزاء : إن تعظيم الشعائر من قِبَل الشارع يكون على قسمين: تارة يكون تعظيم الشعائر بالوسائل والكيفيات التي قررها الشارع نفسه مباشرة، وأخرى يكون الأمر الشرعي متعلقاً بعنوان عام، وقد ترك أمر الوسائل والتطبيقات لذلك العنوان، للناس أنفسهم ليبتكروها، كل حسب ظروفه، وطبيعة إمكانياته.
مثال ذلك: لو أن الشارع أمر المكلف بتعظيم والديه واحترامهما، فعنوان الاحترام هو المأمور به، والمكلف هو الذي يختار، أو يخترع وسيلة ذلك، فيكرمهما بالهدية تارة، وبتقبيل اليدين أخرى، وبإجلاسهما في صدر المجلس ثالثة، وهكذا.
إقامة العزاء على سيد الشهداء
وكذلك الحال بالنسبة الى إمامة العزاء بإحياء مراسم عاشوراء والأربعين، فإذا أمر الشارع الملكف بإحياء أمر الحسين عليه السلام. فتارة: يحدد له هو الوسيلة، كالزيارة، والاغتسال لها، وعقد مجالس العزاء، ونحو ذلك. فلا بد أن يفعل نفس ما أمره به.
وتارة أخرى: يعطي للمكلف الدور والخيار في اختيار الأسلوب والوسيلة، كما هو الحال في الأوامر الشرعية بتعظيم شعائر الله وإحياء أمرهم عليهم السلام.
وفي هذه الحال نقول: إن المكلف قد يوفّق فيما يختاره من أساليب، وتطبيقات لتلك العناوين، وقد لا يحالفه التوفيق في ذلك، بأن كانت بعض المفردات التي يختارها تسيء إلى الهدف، ولا تعطي النتيجة المرجوة أصلاً، أو أنها تعطي النتيجة في هذا المكان، ولا تعطيها في ذلك المكان، أو في هذا الزمان دون ذلك الزمان. فالأمر إذن بالنسبة إلى اختيار الأسلوب والوسيلة يكون متوقفاً على النتيجة، وما يترتب عليها، لا على نفس العمل من حيث هو.
والأدلة كثيرة تدل على مشروعية الحزن وإقامة العزاء وتحمل الأذى على أولياء الله وأصفيائه، فالإمام السجاد عليه السلام حين رأى الشهداء صرعى، كادت نفسه الشريفة تخرج، فقالت له عمته السيدة زينب عليها السلام: "مالي أراك تجود بنفسك الخ."[1]
ونقرء في زيارة الناحية المقدسة: "ولأبكينك بدل الدموع دماً، حسرة عليك، وتأسفاً على ما دهاك، حتى أموت بلوعة المصاب، وغصة الإكتئاب".[2] وعن الإمام الرضا عليه السلام: " إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا ".[3]
وحين عاد السبايا إلى المدينة " ما بقيت مخدرة إلا برزن من خدورهن، مخمشة وجوههن، لاطمات خدودهن ".[4] وهكذا جرى في الكوفة أيضاً، حين وصول السبايا إليها، حيث خطب حينئذ الإمام السجاد عليه السلام، وأم كلثوم، وفاطمة بنت الحسين عليه السلام ".[5]
أيضاً روي بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام، أن النبي صلى الله عليه وآله، لم يعترض على نساء الأنصار فيما فعلن في أنفسهن بعد قضية أحد، حيث إنهن " قد خدشن الوجوه، ونشرن الشعور، وجززن النواصي وخرقن الجيوب وحزمن البطون على النبي صلى الله عليه وآله، فلما رأينه قال لهن خيراً، وأمرهن أن يستترن، ويدخلن منازلهن ".[6]
المصادر:
[1] . كامل الزيارات، ابن قولويه القمي، ص 261.
[2] . مصباح الزائر، علي بن طاووس، ص 116.
[3] . الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 113، المجلس 27.
[4] . بحار الانوار، محمد باقرالمجلسي ، ج 45، ص 147.
[5] . المصدر، ج 45، ص 112.
[6] . الكافي، الشيخ الكليني، ج 8، ص 318.