لقد انحرف الأمويون عن خط الإسلام فأصبح همهم مصروفاً الى الملذات والشهوات مع عدائهم لأهل البيت فثارت الثورات عليهم وأعقبهم بنو العباس وساروا على سيرة الأمويين فأحسوا بالخطر فالتجأ المأمون الى خطة ولاية العهد ليقي نفسه وملكه عن السقوط الحتمي.

الإمام الرضا عليه السلام في عهد المأمون: لقد أمعن الأمويون في الانحراف عن الخط الإسلامي القويم، وأصبح كل همهم مصروفا إلى الملذات والشهوات، كما لجوا في عدائهم لأهل البيت عليهم السلام، فكان من الطبيعي أن ينمو تعاطف الناس مع أهل البيت، فثارت الثورات والفتن ضد الحكم الأموي حتى أنهكت قواهم.
لذا كان نجاح العباسيين أمرا طبيعيا إذا ما أخذت الحالة الاجتماعية، والظروف والملابسات آنئذ بنظر الاعتبار، فإن الأمة كانت مهيأة نفسيا لقبول التغيير، خصوصا وأنهم " كانوا يصورون أنفسهم على أنهم ما جاءوا إلا لينقذوا الأمة من شرور بني أمية، وظلمهم، وعسفهم، الذي لم يكن يقف عند حدود. كما حاول العباسيون في بادئ الأمر أن يربطوا دعوتهم بأهل البيت عليهم السلام، حتى يكسبوا ثقة الناس بهم والحصول على تأييدهم.
خصوصا الخراسانيين، الذين كانوا لا يزالون يعيشون الإسلام بعيدا عن أهواء المبتدعين، لذا كانوا أكثر حماسة للدعوة لأهل البيت عليهم السلام "[1]
وذلك لأنهم لم يعاملوا معاملة حسنة في الواقع، ولم يسر فيهم بسيرة محمد صلى الله عليه وآله والقرآن إلا علي بن أبي طالب عليه السلام.[2]
فلا استغراب إذا قيل لنا: إن جلة العباسيين، حتى إبراهيم الإمام، والسفاح، والمنصور كانوا في ابتداء أمرهم قد بايعوا للعلويين أكثر من مرة، فإن ذلك ما كان إلا ضمن خطة مرسومة، لا حبّاً بأهل البيت عليهم السلام أو موالاة لهم.
فبعد ما تحرك أبو مسلم الخراساني القائم بالدولة العباسية، كتب إلى الإمام الصادق عليه السلام ويقول: " إني دعوت الناس إلى موالاة أهل البيت – عليهم السلام -، فإن رغبت فيه، فأنا أبايعك؟ " فأجابه الإمام عليه السلام: " ما أنت من رجالي، ولا الزمان زماني " ثم جاء أبو مسلم، وبايع السفاح، وقلده الخلافة.[3]
استلم المأمون زمام الحكومة وكان الوضع كان يزداد سوءا يوما عن يوم، فتحرك واستعمل كل ما لديه من حنكة ودهاء، في سبيل إنقاذ نفسه، ونظام حكمه.
وإنقاذ الموقف كان يتوقف على أمور منها: إخماد ثورات العلويين، وأن يحصل منهم على اعتراف بشرعية خلافة العباسيين، واستمرار تأييد الخراسانيين، وعامة الإيرانيين له.
لذا أقدم على خطوة جريئة وهي أخذ البيعة للإمام علي الرضا عليه السلام بولاية العهد بعده، رغم مرارته القاسية بعد أن رأى أنه لن تنقاد له الرعية والقواد، ولن تستقيم له الأمور إلا إذا أقدم على مثل تلك اللعبة الجريئة.
الإمام الرضا عليه السلام ولي للعهد
إن المأمون لم يقدم على اختيار الإمام عليه السلام وليا للعهد، إلا وهو على ثقة من استمرار الخلافة في بني أبيه، حيث كان الإمام عليه السلام يكبره ب " 22 " سنة، فقام بعدة خطوات منها أنه أقدم على نزع السواد شعار العباسيين، ولبس الخضرة شعار العلويين وكان يقول: إنه لباس أهل الجنة،[4] حتى إذا ما انتهى دور هذه الظاهرة بوفاة الإمام الرضا عليه السلام وتمكنه من دخول بغداد عاد إلى لبس السواد شعار العباسيين، بعد ثمانية أيام فقط من وصوله.
ومنها ضرب النقود باسم الإمام الرضا عليه السلام، وإقدامه على تزويج الإمام ابنته، رغم أن الإمام الرضا عليه السلام كان يكبرها بحوالي أربعين سنة، كما أنه زوج ابنته الأخرى للإمام الجواد عليه السلام الذي كان لا يزال صغيراً، أي ابن سبع سنين.[5]
إضافة الى ذلك كان للمأمون أهداف يتوخاها من أخذ البيعة، منها أن يأمن الخطر الذي يتهدده من شخصية الإمام الرضا عليه السلام الذي كانت كتبه تنفذ في المشرق والمغرب، ومنها أنه كان يهدف من وراء تزويجه الإمام بابنته، أن يجعل عليه رقيبا داخليا موثوقا عنده.
ولم يكتف بذلك، بل وضع على الإمام الرضا عليه السلام عيوناً آخرين، يخبرونه بكل حركة من حركاته وتصرفاته، مثل هشام بن إبراهيم الراشدي الذي كان لا يتكلم الرضا في داره بشيء إلا أورده هشام على المأمون، وذي الرئاستين"[6]
المصادر:
[1] . السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات، إبراهيم حسن، ص 106.
[2] . المصدر، ص 39.
[3] . الملل والنحل للشهرستاني ، ج 1، ص 154.
[4] . الإمام الرضا ولي عهد المأمون، عبد القادر أحمد اليوسف، ص 62، عن ابن الأثير.
[5] . مروج الذهب، المسعودي، ج 3 ، ص 441.
[6] . بحار الانوار، محمد باقر المجلسي، ج49، ص139.