دبّرت قريش مؤامرة لقتل النبي صلى الله عليه وآله فأخبره الله تعالى بذلك، ودعا عليا عليه السلام للمبيت مكانه وفشلت مؤامرة قريش.
قامت قريش بالمؤامرة على النبي صلى الله عليه وآله فاجتمعت في دار الندوة للتشاور في هذا الموضوع ولم يتخلف منهم أحد، وشرطوا أن لا يدخل معهم تهامي، لأن هواهم كان مع محمد صلى الله عليه وآله.[1] كما أنهم قد حرصوا على أن لا يكون عليهم من الهاشميين، أو من يتصل بهم عين أو رقيب.[2]
طُرحت الآراء واستقر رأيهم أخيراً على أن يأخذوا من كل قبيلة شاباً قوياً، ويعطى سيفاً صارماً، ويدخلوا على النبي صلى الله عليه وآله بأسيافهم، فيضربونه ضربة رجل واحد، ويتفرق دمه في القبائل، وبنو عبد مناف لا يقدرون على حربهم، فيقبلون بالدية، وينتهي الأمر.
أخبر الله تعالى نبيه بهذه المؤامرة ونزل قوله تعالى:" وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ ".[3] والمكر الإلهي هنا هو التدبير السري لإفشال عمل يعزم عليه الغير.
إنه صلى الله عليه وآله يأمر عليا بالمبيت
فأمر صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين علياً عليه السلام بالمبيت على فراشه، بعد أن أخبره بمكر قريش، فقال علي عليه السلام: أو تسلم بمبيتي هناك يا نبي الله؟ قال: نعم. فتبسم علي عليه السلام ضاحكاً وأهوى إلى الأرض ساجداً، فنام على فراش النبي صلى الله عليه وآله، واشتمل ببرده صلى الله عليه وآله الحضرمي. ثم خرج النبي صلى الله عليه وآله في فحمة العشاء، أي في ظلمة قوية تحتاج الرؤية فيها إلى المزيد من التنبُّه إلى إحداد النظر في نقطة بعينها.
حضر الرصد من قريش وقد أطافوا بالدار ينتظرون، فخرج صلى الله عليه وآله، وهو يقرأ الآية:"وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ".[4] وكان بيده صلى الله عليه وآله قبضة من تراب، فرمى بها في رؤوسهم، ومر من بينهم، فما شعروا به، وأخذ طريقه إلى غار ثور.
وهنا جاءت الأقوال للتغطية على فضائل علي عليه السلام فزعموا: أن أبا بكر جاء وأمير المؤمنين عليه السلام نائم، فقال: يا نبي الله، وأبو بكر يحسبه أنه نبي الله قال: فقال له علي: إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمونة فأدركه، فانطلق أبو بكر، فدخل معه الغار.[5]
وأُشكل على هذا الزعم، فقيل كيف دخل أبو بكر إلى علي عليه السلام ومن أين وكيف لم يره خمسة عشر رجلاً يرصدون البيت وقد طافوا بالدار؟! ولماذا انتظروا إلى الصباح ولم يلحقوا بالنبي صلى الله عليه وآله كما لحق به أبو بكر؟
وعلى كل حال، جعل المشركون يرمون علياً عليه السلام بالحجارة وقد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح، فهجموا عليه، فلما بصر بهم وقد انتضوا السيوف، يقدمهم خالد بن الوليد، وثب له عليّ عليه السلام فختله، وأخذ من يده السيف، وشد عليهم بسيف خالد، فأجفلوا أمامه إلى خارج الدار، وتبصروه فإذا هو علي. قالوا: فإنا لم نردك، فما فعل صاحبك؟ قال: لا علم لي به.[6] تراجعوا وأسرعوا إلى قومهم يخبرونهم بما جرى ليتدبروا الأمر قبل فوات الأوان وفشلت مؤامرتهم.
المصادر:
[1] . تاريخ الخميس، حسين الدياربكري، ج 1، ص 321.
[2] . نور الأبصار، محمد حسن الشبلنجي، ص 15.
[3] . سورة الانفال، الآية 30.
[4] . سورة يس، الآية9.
[5] . مستدرك الحاكم، الحاكم النيسابوري، ج 3، ص 133.
[6] . أمالي الشيخ الطوسي، ج 2، ص 82 و83.