من الأمور التي عدّها البعض خاطئة أو وهمية، لجوء الإمام الحسين عليه السلام إلى العباس عليه السلام. وقد أثارت بعض التساؤلات حول مدى صحتها ومكانتها في سيرة عاشوراء.
قد ورد لجوء الإمام الحسين عليه السلام إلى أخيه العباس عليه السلام، في رؤيا للمرحوم الشاعر الشيخ الأزرّي، وعدّها البعض أسطورة لا صحة لها.[1]
وفي الرد على هذا الزعم، نذكر ما نقله المرحوم الشيخ مهدي المازندراني في كتابه "معالي السبطين" أن هذا الشاعر الجليل قد نظم شعراً في مدح العباس، وكان أحد أبيات هذا الشعر يقول: "يوم أبو الفضل استجار به الهدى * والشمس من كدر العجاج لثامها"[2]
إن الشيخ الأزرّي عندما نظم هذا البيت من قصيدته وقال: "يوم أبو الفضل استجار به الهدى" وجد في نفسه تردّداً حول صحة هذا التعبير، وخشي ألّا يكون مقبولًا عند الإمام الحسين عليه السلام. لذا لم يكمل البيت.
لكن في تلك الليلة، رأى في الرؤيا الإمام الحسين عليه السلام يقول له: "ما قلته صحيح، لقد لجأتُ إلى أخي أبي الفضل العباس عليه السلام"، ثم أكمل الإمام بنفسه الجزء الباقي من البيت: "والشمس من كدر العجاج لثامها".
أما عن الاعتراض بأن اللجوء لا يليق بالإمام المعصوم إلى العباس عليه السلام، فنقول: ما المانع من أن يلجأ الإمام إلى قمر بني هاشم؟ فهناك العديد من المواقف في التاريخ حيث كان المعصومون عليهم السلام يطلبون العون أو الدعاء من أشخاص أقل منهم في المرتبة والمنزلة.
فعلى سبيل المثال، أوصى الإمام الحسين عليه السلام أخته السيدة زينب عليها السلام في ليلة عاشوراء قائلاً: "يا أختاه، لا تنسيني في نافلة الليل".[3]
اقترب الأعداء من خيام الإمام الحسين
كما أنه عندما اقترب الأعداء من خيام الإمام الحسين عليه السلام في ليلة عاشوراء، قال الإمام الحسين لأخيه العباس عليهما السلام:
"يا عباس، اركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم وتقول لهم ما لكم؟ ... فإن استطعت أن تؤخرهم إلى الغدوة وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أني قد أحب الصلاة له وتلاوة كتابه والدعاء والاستغفار".[4]
وقد أشار بعض العلماء إلى أن بيت شعر الشيخ الأزرّي يشير إلى هذا الموقف. ففي الحقيقة، ليس هناك ما هو أعظم من أن يقول الإمام الحسين عليه السلام لشخص: "بنفسي أنت".
إن العباس عليه السلام، كان الذراع الأيمن، للإمام الحسين عليه السلام ويعوّل عليه كثيرًا. لذا عندما واجه الإمام الحسين عليه السلام المشهد المؤلم لاستشهاد العباس عليه السلام، وضع يديه على خاصرته وقال: "الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي"، ثم بكى بصوت عالٍ في وَسَط المعركة.
فقصة اللجوء إذن ليست مجرد حادثة تاريخية بل هي رمز للتلاحم الروحي والعائلي بين الإمام وأخيه. تعكس هذه الرواية العَلاقة الفريدة بينهما، حيث كان العباس عليه السلام يمثل القوة والملجأ للإمام الحسين عليه السلام في أصعب اللحظات. وإن التأمل في هذه القصة يعزز فهمنا لعمق التضحيات التي قدمها أهل البيت عليهم السلام في سبيل الحق والعدالة، ويؤكد مكانة العباس عليه السلام كرمز للوفاء والشجاعة في ذاكرة الأمة.
المصادر:
[1] . عاشورا پژوهی، صحتی سردرودی، ص84.
[2] . معالی السبطین، المازندراني، ج1، ص269.
[3] . أدب الطف، سيد جواد شُبّر، ج1ص242.
[4] . الکامل فی التاریخ، ابن الأثير، ج4،ص56.